سادَ شيءٌ من الفوضى والإرباك مسرح ترتيب بيت المعارضات المسلّحة السورية التي توافدَت إلى تركيا منذ بداية الأسبوع الجاري، تمهيداً لتشكيل وفدٍ منها إلى «لقاء أستانة» المقرّر في 23 الجاري.يعود السبب إلى أنّ سرَيان وقفِ النار تعرّضَ لخروق عدة، بل لانهيارات، خصوصاً في الغوطة الشرقية ووادي بردى، وتخلّله ما يشبه حصار تعطيش منذ 12 يوماً، فرضَته المعارضة على دمشق التي يُعتبر امنُها خطاً احمر روسيّاً.
 
لقد هدّد ضابط روسي خلال مفاوضاته مع مسلحين يسيطرون على منطقة المضخّات المائية التي تغذّي دمشق بمياه الشرب، بأنّهم «إذا لم يسمحوا بإصلاحها فإنّ الطائرات الروسيّة ستمحو المنطقة».
 
يوم الاثنين الماضي، بدأ تصميم جهد تركي ـ روسي لإطلاق دينامية عملية تفضي الى عقد لقاء أستانة في موعده، فعُقِد اجتماع في انقرة على مستوى خبراء روس وأتراك، تميهداً لاجتماعات تَعقبه خلال اليومين التاليين بين الجانب التركي وأكبرِ طيف من المعارضة السوريّة في انقرة.
ادركت تركيا مسبَقاً صعوبة الحوار مع المعارضة لحضِّها على الذهاب الى أستانة، خصوصاً بعدما ترسّخ انطباع لدى الأخيرين بأنّ الشراكة التركية ـ الروسية لضمان تنفيذ اتّفاق وقفِ النار تواجه فشلاً كبيراً.
 
لذلك قسَمت تركيا لقاءاتها بالمعارضة الى مرحلتين، الاولى جرت الثلثاء وخُصّصت للاستشارات مع نحو 80 شخصية من القياديين الميدانيين والمستقلين، وتمّ الحديث اليهم بصفتهم الشخصية وليس الحزبية.
 
أرادت انقرة تكثيفَ نفوذِها عليهم ليعبّروا عن رأيها داخل فصائلهم، ولكنّ المحاولة فشلت، ما اضطرّ أنقرة الى تجديد لقاءاتها التشاورية يوماً آخر. وأمس، كانت المفاوضات التركية مع أطراف المعارضة في اسطنبول مستمرّة، وقد دخلت مرحلتَها الثانية الهادفة الى اتّخاذ قرار بتشكيل وفدِها الى أستانة.
عن وقائع مراحل هذا النقاش التركي مع المعارضة في انقرة، كشَفت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ تركيا حاولت إقناع ممثّلي المعارضة المسلحة الموقّعة اتّفاقَ وقف النار، بتجاوزِ النقاشات حول هشاشته، لمصلحة بذلِ جهدٍ يؤدي الى تشكيل وفد عسكري ـ سياسي للمشاركة في لقاء أستانة، وذلك إيفاءً بتعهّدها ضمن بروتوكول الهدنة بإنجاز تشكيل وفدٍ من المعارضة السورية الى أستانة خلال فترة زمنية محددة.
 
بَيد انّ المعارضة طالبَتها بتقديم أولوية البحثِ في تثبيت وقفِ النار على اولوية البحث في وفدها الى لقاء أستانة، وأن تضغط على روسيا لتنفيذ تعهّدِها بأن يلتزم النظام وحلفاؤه وقفَ النارِ مثلما تَفعل تركيا مع المعارضة.
 
كانت تركيا في اليوم السابق (الاثنين الماضي) وخلال اجتماع الخبراء الروس والاترك الذي مهّد لاجتماعات المعارضة في انقرة مع الجانب التركي، قد بحثَت مع الجانب الروسي في مشكلة خروقِ وقفِ النار في منطقة وادي بردى والغوطة.
وردّ الروس بأنّ هذه المنطقة ليست ضمن اتّفاق وقف النار، ليس فقط لأنّ المسلحين فيها ينتمون الى «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، بل لأنّ وضعها ايضاً مختلف عن منطقة إدلب التي تمّ استثناؤها، على رغم وجود «النصرة» فيها، نظراً لالتجاء المهاجرين من حلب وغيرها إليها طلباً للأمان. وجادلت تركيا في انّ «الجيش الحر» هو مَن يوجد في وادي بردى وليس «النصرة»، والشيء نفسُه في الغوطة الشرقية.
 
لكنّ الجانب الروسي أكّد وجود «النصرة» في الوادي منذ بداية سقوطها بيدِ المعارضة، وسأل عن المنطقة التي قصَدتها في حال هي خرجَت منها بالفعل، كذلك ردّ سببَ استمرار القتال في الغوطة الشرقية الى وجود «تصفية حساب» مع عاصمتها «دوما» التي كانت المصدرَ الأساس لكلّ القذائف التي استهدفت السفارة الروسية في دمشق.
 
اقترحت المعارضة على الاتراك نقلَ اقتراحٍ الى موسكو بتشكيل وفدٍ مشترك من الضامنَين الروسي والتركي، يذهب الى وادي بردى لتقَصّي هوية المسلحين فيها، الأمر الذي رفضَته روسيا من خلال اعلان وزارة دفاعها ليل الاربعاء أنّها «تدعم معركة النظام لتحرير الغوطة الشرقية التي قاربَت على نهايتها».
الإشكالية الثانية الاكثر صعوبة تتعلق بنوعية المشاركة في أستانة، فموسكو تريده لقاءً بين قادة الميدان السوري والنظام، من اجل البحث في طريقة تثبيت وقفِ إطلاق النار، وحتى طريقة معالجة الخروق الحالية.
 
بمعنى آخر تريده لقاءً ذا طابع تقنيّ عسكري، ويؤسس لأفق سياسي. بينما المعارضة تصرّ على وقفٍ للنار يَسبق عَقد لقاء أستانة، وتتمسّك بإشراك المعارضة السياسية فيه، خصوصاً الهيئة العليا للمفاوضات بصفتها الجسمَ السياسي للمعارضة بكلّ أطيافها.
 
كذلك تطالب المعارضة بانضمام شخصيات عالمية من دول «أصدقاء الشعب السوري» الى محادثاتها الراهنة مع الجانب التركي، بغيةَ إنشاء رأي عام دولي يعوّضها انحسارَ الدعم الخارجي عنها في هذه المرحلة، لأنّ ذلك، في نظرها، يشكّل ضغطاً معنوياً على روسيا لتليين مواقفها في خصوص شروطها لإتمام لقاء أستانة.
 
لقد استثنَت مشاورات أنقرة الراهنة مع المعارضة السورية الهيئة العليا للمفاوضات، وتعتبر الاخيرة أنّ سبب ذلك هو الإعلان الذي اصدرَته الهيئة من الرياض أخيراً الذي طالبَ بعملية سياسية من دون الأسد.
ومع ذلك فضّلت الهيئة تأجيلَ مؤتمرها الذي كانت تَعتزم عَقده الثلثاء الماضي لإبقاء الباب مفتوحاً أمام دعوتها إلى أستانة. ويجري الآن التشاور في مقترحات عدة لحسمِ نوعية لقاء أستانة ولائحة المشاركين فيه ومنعها:
 
ـ ورقة روسية تقول بلقاء عسكري ميداني بين الفصائل المسلحة والنظام، وعليه فإنه لا يتّسع للهيئة العليا.
 
ـ ورقة تعدّها الفصائل المسلحة والشخصيات المشاركة حالياً في مفاوضات انقرة، وتطالب بمشاركة سياسية في أستانة، في اعتبار أنّ التفاوض الميداني يتمّ بواسطة الضامنَين الروسي والتركي، ولا يحتاج الى لقاء سياسي.
 
ـ ورقة تعدّها اوساط قريبة من الهيئة العليا للمفاوضات المدعومة من الرياض، وشكلياً الى حدّ ما من انقرة، تقول إنه في حال عقد لقاء أستانة على اساس عسكري فيمكن الهيئة ان ترسل مندوبين عسكريين يمثّلونها، أمّا إذا انعقَد على اساس بحث سياسي، فالهيئة هي الممثّل السياسي للمعارضة السورية.