من الآن وحتى تسلُّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلطاته الدستوريّة بعد أيّام سيظل العالم يتساءل عن الطريقة التي سيتعامل بها مع روسيا وإيران وعن سياسته في الشرق الأوسط.
 

 وطبعاً لا يستطيع أحد من المُتابعين الدوليّين توقّع أمور نهائيّة وحاسمة في هذا المجال. لكنّهم يظلّون قادرين على إعطاء تقويم للوضع الحالي في سوريا والعراق وتركيا مع استشراف مبدئي ومُختصر للعلاقة بين الثلاثي الدولي – الإقليمي المذكور أعلاه.
ماذا في هذا التقويم؟ فيه أولاً أن إيران اعتبرت دائماً روسيا عدوّاً مخيفاً. فهي احتلّت أجزاء واسعة منها ثلاث مرّات في التاريخ. وموقفها المعادي لها والطامع فيها لم تكن له علاقة بالنظام الحاكم فيها. فروسيا القيصرية اعتدت عليها. وروسيا السوفياتيّة لم تكن أحسن تصرّفاً معها يوم كانت شاهنشاهية وبعدما أصبحت جمهوريّة إسلاميّة. والعالم لا يزال يتذكّر صراع الأخيرة والحزب الشيوعي المدعوم من موسكو والذي أدّى إلى زواله. أما أميركا، فإنّها لم تكن يوماً عدوّاً لإيران. ومصدر تهديد لها. لكن العلاقة الآن بين موسكو وطهران تحسّنت كثيراً إذ صارت "فوق التحالف". وهذا ما اتّفق عليه بوتين والولي الفقيه علي خامنئي في لقاء قمة جمعهما على هامش أحد المؤتمرات. وفي التقويم ثانياً أن الرئيس الجديد ترامب ضد إيران وضد الإرهاب الذي تقف ضدّه أيضاً إيران وروسيا. ولا يُستبعد في المرحلة الحالية وفي المستقبل القريب أو المتوسّط أن يتعاون بوتين وترامب وإيران ضد الإرهاب، وأن تستمر المواجهة بين الأخيريْن في الموضوع النووي. وفي هذه الأثناء يسعى الروس إلى جعل هذه المواجهة أقل حدّة وربما أقل كلفة عليهما معاً وعليها. وفيه ثالثاً أن الغرب وزعيمته أميركا يحاربان روسيا. فالدرع الصاروخي في بولندا ودعم أوكرانيا ضدّها وخصوصاً بعد احتلالها شبه جزيرة القرم دليل على ذلك. وعندما طلبت إيران من روسيا المساعدة في الحرب السوريّة حماية لنظام الأسد ودعماً له في الحرب على الارهاب استجابت لاقتناعها بأنها ترد بذلك عليهما معاً. أما إيران فهي صاحبة مشروع في سوريا. وهي تستطيع أن تغيّر سياستها في هذا الشأن إذا غيّرت روسيا سياستها لأنها لا تستطيع مواجهتها، وفي الوقت نفسه مواجهة أميركا والغرب وحلفائهما في الشرق الأوسط.
وفي التقويم رابعاً أن سوريا تعيش تقسيماً واقعياً. لكن استعادة نظامها حلب قلّل كثيراً من حظوظ تحويل هذا التقسيم رسميّاً. في كل الأحوال الغموض الكبير يحيط بالوضع السوري. فالآن لا حرب أو لا حرب حاسمة مع استمرار المناوشات ولا تسوية. لكن هناك عملاً على تسوية سياسيّة. والنظام صار مستعدّاً للتحاور مع المعارضة "غير المتطرّفة أي الإرهابية"، وهي مستعدّة بدورها. وروسيا تعمل في هذا الاتجاه. وهناك مبدئياً ستة أشهر مقبلة وربما أكثر لا حرب فيها ولا تسوية سياسية ولا حلول.
فإيران متمسّكة بالأسد وفريقه لا كعلويّين بل كمقاومة وممانعة. لكن الجيش السوري يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل كي يعود جيشاً مقاتلاً ومحترفاً وحديثاً ومدرّباً. و"حزب الله" ضحّى بالكثير من مقاتليه في حلب. وما يهم "الحزب" والأسد اليوم هو المحافظة على سوريا المفيدة.
وفي التقويم خامساً أن معركة استعادة الموصل توقفت ثم استؤنفت. وهي قد تطول لأن "داعش" مُصمّم على القتال حتى الموت أو الهزيمة. وبعد الأخيرة ينسحب إلى الرقّة السورية. وفيه سادساً أن تركيا تعيش ارتباكاً وتشوّشاً. فهي تخشى انقلاباً عسكريّاً ثانياً أكثر جدّية من الأول. ويقال أن إيران تشم رائحته، واقتصادها يتأذّى وعملتها تنخفض قيمتها، وإرهاب "داعش" والأكراد يؤذيها كثيراً. ورغم ذلك لا يزال الرئيس أردوغان يتعامل مع "داعش". كما أنها وحّدت الفصائل السورية المعارضة الأخرى وضمّت إليها "النصرة". وفيه سابعاً أن موعد معركة استعادة إدلب غير مُحدّد حتى الآن رغم أن بشار يصرّ على ذلك، إذ أنّ فيها بين 70 و80 ألف مقاتل تحتاج محاربتهم إلى جيش كبير وعتاد مُهم و.... وفيه ثامناً أن "حزب الله" يريد شراكة فعليّة في لبنان. ويعمل لشراكة فعليّة في العراق بدعوة شيعته إلى إشراك المعارضة السُنّية في الدولة والسلطة. لكنّهم "صَعْبين". إذ ما يهم غالبيّة قياداتهم الوصول إلى رئاسة الحكومة و"تحصيل" الكثير من الحال ثم العيش في الخارج لاحقاً. وفيه تاسعاً وأخيراً ن لا شيء جدّي بين السعودية وإيران حتى الآن (لا سلام ولا كلام ولا...).