وفي هذا التطور يمكن تفسير معنى الانقلاب الإستراتيجي في موقف تركيا الذي تمت ترجمته بتغيير سلوكها الميداني في سوريا وفي تحالفها مع روسيا بموازاة طمأنتها إلى منع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية ومغزى الموافقة الضمنية الخليجية على التفاهمات الروسية - التركية
 

من نافلة القول أن لكل طرف من الأطراف المشاركة في الحرب السورية حساباته الخاصة واجندته المرتبطة بمشاريعه الإستراتيجية وبمصالحه التي تخدم رؤيته لمستقبل المنطقة في سياق التسويات التي يتم الحديث عن ترتيبها انطلاقا من تقاسم النفوذ لأراضي دولة استبيحت بعدما شرع رئيس النظام السوري بشار الأسد من خلال إعلانه الحرب على شعبه الأبواب أمام العالم كله بدوله القريبة والبعيدة الطامحة إلى إيجاد موطىء قدم لها على اي مساحة جغرافية فيها،وأمام جماعات تكفيرية وارهابية لفظتها شعوبها، فوجدت في الأزمة السورية خير موئل لنشاطها الإجرامي القائم على القتل والذبح والتفجير والتهجير والتدمير. 
وإذا كان هناك نقاط تقاطع مصالح بين بعض الدول حول بعض التفاصيل الميدانية المتعلقة بالحلول السورية، لكنها قد تكون نقاط خلاف مع البعض الآخر الذي لا يرى في هذه النقاط تحقيقا لمكاسبه التي يسعى للحصول عليها او توازي الثمن الذي دفعه والخسائر التي تكبدها بشريا وماديا وعسكريا. 
وفي هذا السياق يبرز الاتفاق الروسي التركي كنقطة تقاطع مصالح بين الدولتين لكنه لن يكون كذلك بالنسبة لإيران وحلفائها حزب الله اللبناني وباقي الميليشيات العراقية والافغانية المرتبطة بها، وقد يشكل نقطة خلاف كبرى بين طهران وموسكو إذ يتوقع البعض أن يؤدي هذا الخلاف إلى صدام روسي - إيراني في سوريا انطلاقا من اعتقاد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفي سعيه إلى الاحتفاظ بتغطية أميركية - تركية - خليجيه للدور الروسي في سوريا مضطر إلى انتهاج سياسة متوازنة إقليميا ستقوده حتما إلى الابتعاد عن إيران، ذلك أنه وبعد أقل من أسبوعين سيصل إلى البيت الأبيض حليف للرئيس بوتين هو دونالد ترامب ومعه وزير للخارجية الأميركية يتمتع بعلاقات وثيقة مع موسكو. 

 

إقرأ أيضًا: أكثر من 33 مليار دولار تكلفة الحرب السورية على إيران فهل ترضى بدور ثانوي في سوريا؟
وقد عبر ترامب وخلال حملته الانتخابية عن مواقف تصعيدية في وجه إيران وعن سعيه إلى الحد من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط بالتوازي مع حملته على الجماعات الإرهابية وخصوصا تنظيم داعش. 
وفي هذا التطور يمكن تفسير معنى الانقلاب الإستراتيجي في موقف تركيا الذي تمت ترجمته بتغيير سلوكها الميداني في سوريا وفي تحالفها مع روسيا بموازاة طمأنتها إلى منع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية ومغزى الموافقة الضمنية الخليجية على التفاهمات الروسية - التركية. 
وضمن هذه المعطيات يمكن تلمس الإشارات التي بدأت بالإعلان الثنائي بين روسيا وتركيا عن وقف شامل لأطلاق النار في سوريا بغياب إيران، واعقبتها دعوة تركيا إلى خروج حزب الله من سوريا مما اقتضى ردا ايرانيا واضحا جاء على لسان الدكتور علي اكبر ولايتي وهو المستشار الاول للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي حيث قال وفي تصريح له : حزب الله لن ينسحب من سوريا بعد وقف إطلاق النار إنها دعاية الأعداء. 
وفي هذا إشارة إلى وضع تركيا في خانة الدول المعادية لإيران،أما ايران فإنه وخلافا للتوقعات التي ترى أنها امام خيارات صعبة ومحدودة وتقف عند حدود الاتفاق الروسي التركي وبالشروط التركية فإنها لا زالت تملك الكثير من أوراق القوة في الداخل السوري. 

إقرأ أيضًا: رحيل كاتم أسرار الثورة الإسلامية الإيرانية
وحزب ألله الذي شارك في الحرب السورية بطلب إيراني فإنه لن ينسحب منها بطلب تركي حيث جاء الرد الإيراني سريعا على لسان ولايتي وكذلك فإن رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي لم يتردد في اتهام تركيا بأنها تحتل جزءا من الأراضي السورية. 
وهذه كلها إشارات وردت من طهران توحي بأن إيران لا تقبل بأن تكون الكلمة الأخيرة في سوريا بيد روسيا، وإذا كانت تتهيب من توجيه انتقادات مباشرة الى موسكو لكن ليس ما يمنع من توجيه هذه الانتقادات إلى تركيا كي يسمعها المسؤولون الروس جيدا. 
على أن الإشارة الجديرة بالاهتمام هو أن أي تفاهم في سوريا يبقى مرهونا بالموقف الأميركي، والثابت أن الإدارة الأميركية الجديدة لم تعد قادرة على تجاهل الواقع السوري وأن اي هدنة في سوريا ستبقى هشة وقابلة للاختراق وبحاجة إلى تفاهم أميركي - روسي حتى يبدأ البحث الجدي في كيفية إعادة تشكيل سوريا الجديدة على أنقاض سوريا التي دمرت نفسها بنفسها.