"ليس فيلماً لبنانياً تقليدياً وعادياً بالتأكيد (نسبةً للأفلام اللبنانية السطحية الكثيرة). إنه "ورقة بيضا" في تاريخ السينما اللبنانية، وإن ليس بأكملها، في حين تشكِّل كتابَ السينما في السنوات الأخيرة صفحاتٌ سود كثيرة. الفيلم اللبناني "ورقة بيض" الذي يمزج بين الحركة والكوميديا السوداء، والذي أخرجه فرنسي، لبناني بكلّ ما للكلمة من معنى، رغم تطرّف نظرته النقدية غير المباشرة وسوداويته المطلقة بشخصياته، وأمكنته والفئات المتنوّعة من المجتمع التي تناولها، المجتمع الذي لم يُظهر منه الفيلم أيّ ناحية إيجابية. رغم المبالغة أو التطرّف، لا يمكن نكران أنّ ما أظهره الفيلم جزءٌ من مجتماعتنا وواقعنا. نجح الفيلم بعامل "الواقعية" بالصورة واللغة والأحداث، وبالترابط المنطقي لمجريات الشريط، وأنقذ نفسه باتخاذ منحى البساطة بعيداً من الخطابات والمواعظ النظرية "الكليشيه".

أما أبرز ما في "ورقة بيضا" فهو الـ"كاست"، جميع الممثلين من دون استثناء. دارين حمزة تتقن لبس ثوب الشخصية بسهولة تامة كما دائماً، غبريال يمّين نبعٌ لا ينضب من القدرات التمثيلية الهائلة كما على خشبة المسرح، كذلك عبر الشاشتين الصغيرة والكبيرة. بديع أبو شقرا، أدّى دوراً صغيراً بإمكانيات كبيرة، تجسيد لشخصية جديدة مختلفة وصعبة، لا تظهر إلّا مرة في الفيلم، لكنها لا تختفي.

قمار وعنف وجنس


"ورقة بيضا-Nuts" فيلم عنف مطعّم بكوميديا سوداء، من إنتاج اللبناني طارق سكياس وإخراج الفرنسي هنري بارجيس، وسيناريو تانيا سكياس، يضمّ مجموعة من نخبة الممثلين اللبنانيين، وأدّى الأدوار الرئيسة في الفيلم كلّ من: دارين حمزة وألكسندرا القهوجي وغبريال يمّين وحسّان مراد وإدمون حداد وطارق تميم وحسام صبّاح وباسل ماضي، إضافة إلى مشاركة مميّزة وغنيّة لبديع أبو شقرا.

ويتناول الفيلم الذي قُدِّم في عرض صحافي خاص يوم السبت الفائت في بيروت، الأمكنة المُظلمة، الشخصيات "الشريرة" أو الغريبة أو المجنونة... ويسخر من مواقف ووقائع كثيرة في المجتمع اللبناني.

من خلال لانا التي تؤدّي دورها دارين حمزة، يدخلنا الفيلم إلى عالم "البوكر" أو القمار، ومنه تتفرّع أحداث الفيلم إلى عوالم عدّة سوداء. لانا لم تعد تتحمّل زواجها العادي المملّ وهي تعتبر زوجها "عنجد لبناني"، في حين أنها تعيش حياةً غيرَ تقليدية ومختلفة هي وصديقتها جيني (ألكسندرا القهوجي).

حبّ المغامرة والبحث عن المتعة واللذة أوصلاهما إلى أحد أندية القمار الكبيرة و"المهمة"، حيث تتورّطان مع مجرمين و"ذكور "عنيفين". وفي حين تجد لانا المتعة واللذة في لعب الميسر، تجدهما جيني عبر علاقاتها الجنسية الكثيرة (نمت مع كلّ رجال البلد... ومرتين).

شخصيات غريبة... ومعقّدة


إنه فيلم جريء بالعنف الذي يُظهره، الجسدي واللفظي. إنه الواقع. عفوي بسيط باللغة المستخدَمة ومن ضمنها الشتائم أو السباب. إنه الواقع. صريح وواضح بإشاراته السياسية الاجتماعية وحتى الاقتصادية وإن بمشهد مُصوَّر لحدثٍ ما من دون الإشارة إليه ولو بكلمة واحدة. نسمع دويَّ انفجار كبير يؤدّي إلى كسر الزجاج "على رؤوس" المقامرين، ولا يحرّكون ساكناً. إشارةً إلى اعتياد اللبناني على "الانفجارات".

زوج لانا "يعيّرها عالرايح وعالجايي" بطريقة تربية ابنهما وبأنها من دونه لا تستطيع تأمين المال! والدة لانا ومجموعة من النسوة يتسامرن "على فنجان قهوة" حول "البوتوكس" و"السرلنكيات" الفيليبينيات... أحد المقامرين لا يقبل بالخسارة أمام "امرأة"... زوجتا قاسم (غبريال يمين) المحجّبتان تتنافسات وتتعاركان باستمرار وتغاران من بعضهما، "كلّ ما نزلت وحدة عبيروت تشتري أغراضاً التانية بدها تنزل".

قاسم، زعيم عصابة، رجل يملك المال لكنه لم يستطع دفعه خطوة واحدة نحو التمدّن. شخصية غريبة، معقّدة ومركّبة، رائع غبريال يمين بتأديتها. يقطع أذن شخص وخصية آخر ببرودة وغرابة، وفكاهة تُضحك المشاهد رغم تقزّزه من منظر الدماء والأعضاء المقطوعة.

أمّا إدموند حدّاد فنجح بتجسيد شخصية وائل، أحد أزلام قاسم، القوّاد العنيف والغامض. الطفولة التي سُرقت منه تعود إليه في مواقف عدة، قاتل مأجور يبقى حتى النفَس الأخير ضحيّة العنف بأشكاله المتنوّعة. أما ربيع الساكت، الصامت، البارد، فيحرّك اللعبة من دون أيّ عنف ظاهر. شخصية واقعية أخرى، يؤدّيها الممثل حسّان مراد.

ما لا نراه!


اختار المنتج طارق غبريال سكياس الفرنسي هنري بارجيس لإخراج الفيلم، لأنّ "الأجنبي يرى الأمور التي لم نعد نحن نراها ونلاحظها لشدة ما اعتدنا عليها، وبالتالي، هو يقدّم قيمة مضافة للفيلم لهذه الناحية".

فيلم "ورقة بيضا" الذي تخطّت كلفة إنتاجة المليون دولار أميركي، قيمة مضافة للسينما اللبنانية بكلّ عناصره، ولكن كان من المُفضّل أن ترى أعين أصحاب العمل "نقطة بيضا" ولو واحدة عند اللبنانيين وفي المجتمع اللبناني، لكسر هذه السوداوية المُطلقة كي لا يخرج الفيلم من "كادر الواقعية"، التي نسبها أصحاب الفيلم لعملهم، خصوصاً أنّ الفيلم سيُشارك في مهرجانات عالمية وسيُوزَّع خارج لبنان.

وسبق أن قُدِّم العرض العالمي الأوّل للفيلم ضمن الدورة الثالثة عشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي في إطار برنامج "ليالٍ عربية". وتنطلق عروضه في 19 من الشهر الحالي في الصالات اللبنانية، فهل سيلقى هذا الفيلم استحسان الجمهور، ويكسب الإنتاج السينمائي اللبناني الرهان على "ورقة بيضا" مُوقّعة بتصوّر فرنسي في لعبة السينما اللبنانية؟".