لا شك في أن المتشددين يرون في غياب رفسنجاني فرصة لهم للتقدم وتكثيف تواجدهم في مواقع السلطة السياسية، وإقصاء الإصلاحيين وطي صفحة الاعتدال وتنحية الرئيس روحاني للترشح لدورة الثانية والتخلص من مطالبات الشعب وتوجيه البلاد إلى الانغلاق، ولكن غابت عنهم اشياء عدة
 

تكهن خبراء بأن غياب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الشيخ رفسنجاني سيعزز موقع المتشددين في إيران، مما يعني بأن التيار الإصلاحي سوف يجد نفسه في وضع لا يُحسد عليه. 
إن هذا التحليل أو التكهن ناتج عن التبسيط أو الفهم الخاطئ لطبيعة المجتمع الإيراني المعقد والذي يوجد في جعبته مفاجآت. 
لا شك في أن المتشددين يرون في غياب رفسنجاني فرصة لهم للتقدم وتكثيف تواجدهم في مواقع السلطة السياسية، وإقصاء الإصلاحيين وطي صفحة الاعتدال وتنحية الرئيس روحاني للترشح لدورة الثانية والتخلص من مطالبات الشعب وتوجيه البلاد إلى الانغلاق، ولكن غابت عنهم اشياء عدة: 
أولاً إن التيار الإصلاحي يحظى بشعبية لا ينافسه عليها التيار المحافظ الذي تضاءل في العقد الأخير وخسر ثقله حتى لم يبق له مناصرون كثر، والتحق قسم كبير من التيار المحافظ بالتيار الإصلاحي ليبق التيار المحافظ هيكلا وهمياً يحرسه متشددون تغذّيهم مؤسسات عسكرية تتطلع إلى السلطة السياسية وتُلقها الحياة في المعسكرات.

 

إقرأ أيضًا: إيران خسرت عقلها السياسي الأبرز
وكدليل على الأزمة الوجودية التي يعاني منها المتشددون المحسوبون على التيار المحافظ هو أنهم أصيبوا بارتباك استراتيجي قبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية، حيث لم يُجمعوا على مرشح واحد، بل من المستحيل أن يُجمعوا على مرشح يكون لديه حظ للفوز في المعركة الرئاسية، وأثبتت الانتخابات الرئاسية والنيابية الأخيرة بأن التيار المحافظ انتهى من دون رجعة ربما بفعل الدمار الذي أصيب البلاد طيلة ولاية الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي صعد على كتف المحافظين لتدمير البلاد وتجويع العباد.
نعم هناك طريق خاص لدى المتشددين لإقصاء الإصلاحيين والمعتدلين وهو إغلاق جميع النوافذ على غرار كورية الشمالية، وتعطيل جميع الاستحقاقات الديموقراطية ومنها الانتخابات الرئاسية، أو رفض طلبات الرئيس روحاني وجميع المرشحين الرئاسيين للترشح في الانتخابات كما حدث مع رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عند ما رفض مجلس صيانة الدستور طلب ترشحه من دون أن يُعلن عن أسباب الرفض.
ثانياً إن الشيخ رفسنجاني في نفس الوقت الذي كان فيه زعيماً سياسياً للتيار المعتدل ويعبّر عن مطالبه، كان صمام الأمان للنظام الإيراني وقادراً على امتصاص سخط الشارع، ويمكن القول بأن رفسنجاني كان يؤدي دور حزب سياسي لوحده، وكما الأحزاب تؤدي دور الوسيط والمساوم بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي (السلطة) وتقوم بفرز المطالب وإنضاجها للوصول إلى أوساط الحلول، فكذلك كان رفسنجاني يؤدي هذا الدور بمهارة وحرفية قلّ نظيرها في أية شخصية سياسية في الشرق الأوسط. 

إقرأ أيضًا: إيران: رئيس القضاء يتهم رئيس الجمهورية بالفساد
وكمثال على تلك الحرفية يكفينا دراسة دوره في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعد رفض طلب ترشحه من قبل مجلس صيانة الدستور. حينذاك رأيناه لم ينسحب عن الساحة فحسب، بل وقف بجانب المرشح الاحتياطي الشيخ روحاني وطلب من الشعب التصويت لصالحه، وبعد فوز الأخير شعر رفسنجاني بأنه أدى مهامه في إنقاذ البلاد من شرّ المتشددين الذين حرقوا وسيحرقون الأخضر واليابس تحت أقدام شعاراتهم الوهمية وبل مصالحهم الحزبية.
والجديد بعد غياب رفسنجاني في الساحة السياسية الإيرانية هو إلغاء هذا الوسيط المعتدل الذي كان بحد ذاته حزباً سياسياً ذكياً يتفهم رغبات الشعب ويرصد بوصلته.
الآن أزيل الفاصل الموجود بين النظام والشعب، ولا أحد يستطيع لعب هذا الدور، ولكن ليس هذه الحالة لصالح النظام خلافاً لما يتوقع بعض الخبراء. لأن المواطن الذي كان يثق برفسنجاني سابقا وأوكل إليه مهمة تمثيله ومتابعة مطالبه، أصبح الآن بلا ممثل ويشعر بأن عليه أن يمثل نفسه ويؤدي دوره هو، في ظل غياب شخصية سياسية أخرى تتمكن من ملء فراغ رفسنجاني.