تمهيد: في تبرير الحرب الاستباقية، عادةً ما يُردّد رُعاتُها ومُناصروها أنّنا لو لم نُفاجئهم لفاجأونا، لو لم نقُم بغزوهم لغزونا، وقديماً قيل: ما غُزي قومٌ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا.
أولاً: حرب حزب الله الاستباقية...
ظلّت أبرز حُجّة رفعها حزب الله في وجه مُعارضي دخوله أتون الحرب السورية، أنّنا لو لم نبادر للذهاب إليهم، لأتوا إلينا، لو لم نقُم بغزوهم لقاموا بغزونا، لو تركناهم ينتصرون في دمشق، آخر ملاذ للمقاومة والممانعة، لسقطت المنطقة بأكملها في قبضة الإرهابيين والتكفيريين، الذين يُزمعون القضاء على المقاومة خدمةً للمشروع الصهيوني الأميركي، أمّا الرواية الأخرى التي ترى أنّ ما جرى في سوريا منذ خمس سنوات، هي ثورة شعب انتفض ضد الديكتاتورية والظلم اللاحق به منذ حوالي أربعين عاماً، ولا علاقة لذلك بغزو لبنان أو إيران أو الشيشان، أو أي بلدٍ آخر، فقد تمّ التغاضي عن ذلك نهائياً، وإذ تمكّن النظام من استدراج الثورة إلى ميدان العنف والحرب والقتال والدمار، وحقق بذلك نجاحاً أطال في عمر ولايته الديكتاتورية، فقد ظلّت المعركة الاستباقية لحزب الله محلّ جدالٍ ومحاكمات .
ثانياً: طهران على خُطى حزب الله...
وكما هو الحال مع حزب الله المهموم بحربٍ شرسة في الميدان السوري، يدخل الإيرانيّون لعبة الحرب الاستباقية في سوريا، فقد أشاد بالأمس المرشد الأعلى الإيراني بالمقاتلين الإيرانيين الذين استشهدوا في سوريا، معتبراً أنّ وجودهم هناك، إلى جانب قوات النظام قد أحبط انتقال "العمليات الإرهابية" إلى داخل إيران. وهكذا تبرز مبررات خوض حرب استباقية ،ولكن هذه المرة بعيداً عن حدود مشتركة بين سوريا وإيران، ومع ذلك رأى المرشد "أنّه لو لم تتُمّ مواجهة الذين يعتبرون أدوات لأميركا والصهيونية في سوريا لكان علينا التصدي لهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان.
لطالما اجتهد كثيرون لإيجاد مبررات أخلاقية وشرعية وسياسية وايديولوجية للحرب الاستباقية، إلاّ أنّ معظم هذه المبررات كانت تتهافت تباعاً، لتبقى الحرب الاستباقية، بمختلف صُورها وأشكالها، حرباً مُدانة وغير مُبررة، ولا تفقد صفتها العدوانية ابداً.