ما يسمى في المصطلح العام بجريمة الشرف، و التي ما زالت – مع الأسف – معتمدة في بعض مجتمعاتنا هي في الحقيقية امتداد لشعائر و قوانين قبلية، و ممكن القول بأنها جاهلية، و يمكن اعتبارها من القيم الأخلاقية التي استهدفها الإسلام و حرمها بالرغم من تشديد الإسلام على معاقبة جريمة الزنا و لذلك لا يمكن اعتبارها تنفيذا للعقوبة التي شرعها الإسلام ضد جريمة الزنا لأسباب عديدة، و هي أن تهمة الزنا من جهة لا يمكن إثباتها إلا بصعوبة تكاد توازي الإستحالة عندما فرض اعتبارها جريمة لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود عدول يرون فعل الزنا رؤية العين، و بذلك يصبح إثباتها أمرا أشبه بالمستحيل، إلا في الحالة التي يرتكب فيها الزانيان جريمة الزنا على مرأى و مشهد من الناس، و في هذه الحالة الفاضحة تصبح العقوبة طبيعية، أما ما يقع في بعض المجتمعات العربية فهو يقع في كثير من الأحيان على الشبهةو الظن أو على الإقرار بها بواسطة العنف.
و من جهة ثانية إن الإسلام جعل ايقاع هذه العقوبة منوطا بالحاكم الشرعي، أي بالقاضي، الذي ترفع إليه دعوى وقوع الزنا مدعما بالأدلة و الشهود القاطعة، و من هنا فإن من الظلم أن نعزو فعل العقوبة – التي نشهدها في مجتمعنا العربي خصوصا – إلى الإسلام، و نحن نلاحظ أن هناك تذمرا اجتماعيا من وقوع عمليات القتل التي يذهب ضحيتها أحيانا أفراد ربما يكونون أبرياء، و هي في أغلب الأحيان تقع على المرأة المتهمة و لا تقع على الرجل، و بتحليل هذه الظاهرة يمكن القول بأنها ظاهرة من ظواهر المجتمع الذكوري، و هنا يمكن أن تتأكد مقولة أن الإسلام بالرغم من اعتناقه من قبل شعوبنا العربية إلا أنه – أي الإسلام – لم يصل بعد إلى اقتلاع هذه النزعة الذكورية في مجتمعه، و التي تتمظهر في جميع أنماط السلوك اتجاه المرأة بالمقارنة مع السلوك اتجاه الرجل، حتى أن بعض المجتمعات تذهب إلى أبعد من ذلك، فتجعل التركة من نصيب الرجل و تحرم المرأة منها، بحجة أن المرأة متزوجة أو سوف تتزوج غريب عن الأسرة، و هذا يعني أن التركة ستذهب إلى أولاد لا يعتبرونهم من سلالة الميت .. من الواضح الفاضح أن هذا يتنافى مع قيم الإسلام و شريعته;  فالمسألة إذن هي ظاهرة من ظواهر عجز المجتمع الإسلامي عن التشرب الديني و الأخلاقي لقيم الإسلام.
و هذا يعني أن معالجة هذه الظاهرة، و غيرها، أعني ظاهرة جريمة الشرف و غيرها، يجب أن تعالج بقوانين مشتقة من شريعة الإسلام، بدون أن يكون هناك أسباب تخفيفية كما هو الأمر في القوانين الوضعية في البلاد العربية، أو في أكثرها. و لكن ذلك وحده ليس كافيا بل لا بد من أن تكون هذه المسألة موضوعا من موضوعات الدعاة و علماء الدين، الذين ينبغي أن يكون لهم دور في التشديد على اعتبار مثل هذه الجرائم محرمة تحريما قاطعا، حتى في حال ثبوت الزنا، لأن الإسلام لم يعط الحق للأب أو للأخ أن يمارس ايقاع هذه العقوبة بنفسه، بل لا بد أن تصدر هذه العقوبة عن القضاء المختص، و أن يكون تنفيذها على يد هذا القضاء و ليس على يد الأقرباء..
و في هذا المجال فإننا نؤيد و نحتضن الحملات الإجتماعية ضد هذه الجريمة التي يكثر حدوثها في هذه الأيام، و أن يكون منطلقنا في ذلك الدعوة إلى الإلتزام بأحكام الإسلام الشرعية، و التوعية التي تهدف إلى اقتلاع القيم و الأفكار و العادات الجاهلية، و أن يكون مسعى هذه الحملات أن يصار إلى إدخال تشريعات منصفة و عادلة في القوانين المعمول بها و المطبقة من قبل السلطات المعنية، و أن لا يكون هناك أسباب تخفيفية إلا في الدائرة التي يسمح بها هنا التشريع المتشدد الذي نقترحه.

 

(الشراع)