افتتحت جلسات الثقة بالحكومة مع استذكار الوزير محمد شطح من دون أن يُعرف، بعد ثلاثة أعوام، مَن طلب اغتيال رجل سياسي عقلاني ومسالم، وما المصلحة التي حققها بتغييبه، بل من دون التأكّد من أن قاتله لم يكن جالساً أمس بين النواب أو بين الوزراء وهم يناقشون البيان الوزاري المعنون "استعادة الثقة". ولا شك في أن استعادة هذه الثقة هدفٌ مطلوب وشعار صحيح يخاطب توقّعات اللبنانيين جميعاً، وقد تضمّن البيان معظم الاجابات عما تعتزمه الحكومة باعتبارها المكان الجامع لمختلف التيارات التي تريد لتلك "الثقة" أن تعود، كلٌ منها لأسبابه. وفي عهود حكومات سابقة كانت "استعادة الثقة" ممكنة سريعاً لأن أوضاع البلد وتياراته ورجالاته كانت مختلفة، ولأنه كانت هناك دائماً مساحة لـ "المصلحة العامة" في زحام المصالح الخاصة، لكن بعد أعوام الاستهتار والجنون والفجور التي عاناها اللبنانيون، ولمّا يخرجوا منها بعد، سيلزم بالتأكيد أكثر من خمسة اشهر لـ "استعادة الثقة"، لماذا؟
لأن النزاعات على الحقائب الوزارية كانت "بروفة" سمجة وممجوجة لما هو آتٍ، ولأن المعارك المريرة السابقة من أجل قانون جديد للانتخاب ستستمر، وبحدّةٍ أكبر، خصوصاً أن مسارَي الحقائب وقانون الانتخاب ارتبطا موضوعياً، فالأول لتمرير ما أمكن من قرارات تعزيزاً للشعبية (بعيداً عن الفساد!) والآخر لجني ثمار "الوزارات الدسمة" في صناديق الاقتراع. لكن عودة "الثقة" تعني عودة البلد طبيعياً متعافياً، وبالطبع هناك فريق له مصلحة في ذلك، وهناك فريق يرى مصلحته في مكان آخر. فـ "حزب الله" يعيش هذه الأيام نشوة "الانتصار" في حلب، ويتوقّع أن يتمكّن من استثمار "فتوحاته" السورية في لبنان لمصلحته لا لمصلحة لبنان واللبنانيين. لكن متطلبات ما بعد حلب وحساباته لا تبدو، روسياً على الأقل، مطابقة تماماً لتوقّعات ايران وميليشياتها، واذا كانت هناك حساسية تجمع حالياً بين أنصار نظام بشار الاسد وخصومه فهي الحساسية ضد "حزب الله" تحديداً، ويُفترض أن "الحزب" لا يجهل ذلك. وفي أبسط تقدير، باتت "ايجابيات" مغامرته السورية مشوّشة، وإنْ استمرّ قادراً على الترهيب والاستقواء في الداخل.
هذا يعني أن مسيرة "استعادة الثقة" تنطلق مثقلةً بعبء "حزب الله" الذي لم يكن ولن يكون عنصر استقرار للبلد مهما حاول المتفائلون تجاهله أو اعتبار أن دوره في سوريا لا يعنيهم ولا يعوّق عملهم. فالعرب وغير العرب يعتبرون لبنان رهينة هذا "الحزب". وقبل أن يحاول أمينه العام طمأنة الآخرين فليقنع "جمهوره" أولاً بأنه يسعى الى "الشراكة" لا الى "السيطرة". وإذ قال مراراً إن رجاله يقاتلون في سوريا "من أجل لبنان" فإن هناك مهمة قد تكون أقلّ كلفة: لماذا لا يعيد النازحين الى ديارهم؟ فهذا عمل نبيل سيشكره عليه النازحون وحلفاؤه الذين صاروا الآن في الحكم ويشكون كل يوم من الهاجس الديموغرافي الذي يشكله النازحون.