أطلق أهالي بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سورية صرخة ضد «الظلم اللاحق بهم» نتيجة ما وصفه رئيس بلديتها باسل الحجيري الوقوع بين «المطرقة والسندان».
فالبلدة تحتضن 120 ألف لاجئ سوري موزعين على 136 مخيماً للاجئين كانوا نزحوا من قرى سورية حدودية عبر جرود عرسال خلال الحرب المستمرة في سورية منذ 4 سنوات، وانتقلوا إلى مخيمات عشوائية ونظامية توزعت على تخوم البلدة، وحوصر مسلحون سوريون في جرودها جراء المعارك التي حصلت في منطقة القلمون واستردها الجيش النظامي السوري بمساعدة «حزب الله». وكشف الحجيري عن أن عدداً لا بأس فيه من اللاجئين السوريين استوعبتهم سفارات أوروبية في إطار قبول اللاجئين على أراضيها. وغادرت عائلات إلى ألمانيا وبريطانيا.
والبلدة تعض على جراح عدة، أعمقها المواجهة التي حصلت بين الجيش اللبناني والمسلحين السوريين في الجرود وخطف هؤلاء لعسكريين لبنانيين وعناصر من قوى الأمن الداخلي وقتل «داعش» و «جبهة النصرة» لأربعة منهم، وهو جرح لا يزال مفتوحاً على تداعيات عسكرية وأمنية وإنسانية منذ أكثر من سنتين.
الجرود المتداخلة أراضيها بين لبنان وسورية، تحولت إلى أزمة مستعصية على الحل، نتيجة عدم تمكن أي طرف حتى الآن من حسم مصيرها، على رغم أن الحجيري يقدر عدد المسلحين السوريين الذين لا يزالون في الجرود بما لا يتجاوز ألف مسلح يتوزعون ما بين «النصرة» و «داعش» وربما عدد قليل جداً من المعارضة. وباتت المنطقة «منطقة استنزاف لأهالي عرسال الذين لم يعد بمقدورهم الوصول إلى مناشرهم ومقالعهم الحجرية ولا إلى بساتينهم في الجرود، ومن جازف بالعبور فمصيره القتل الذي يأتي من أكثر من جهة. وآخر ضحية كان قبل أيام وهو شاب عرسالي قتل أثناء وجوده في منشرته في منطقة وادي حميد وقتل معه عامل سوري وجرح عامل آخر عرسالي وهو في غيبوبة حتى الآن».
ويعتبر رئيس البلدية الحجيري أن هؤلاء «كانوا يعملون داخل المنشرة ولا مبرر للخطأ الذي حصل بإطلاق النار عليهم»، مشيراً إلى حادث سابق حين «كان ينتقل سائق شاحنة يدعى حسين الحجيري في الجرود قاصداً بستانه في موسم الكرز، على مدى يومين، ويقع بستانه في منطقة يمكن الوصول إليها بعد اجتياز حواجز الجيش اللبناني والخضوع إلى تفتيش دقيق من قبل الحاجز وقد يستغرق ساعات، ومع ذلك تعرض في اليوم الثالث إلى إطلاق نار وتردد أن مصدره مواقع لـ «حزب الله»، ما تسبب بمقتله، ناهيك عن إطلاق النار من المسلحين السوريين في الجرود الذين يستهدفون العراسلة إذا ما حاولوا الانتقال إلى مصالحهم في هذه الجرود».
 
تهديدات المسلحين
ويكشف الحجيري أنه شخصياً تعرض لتهديدات من المسلحين حين استلم رئاسة بلدية عرسال بعد الانتخابات الأخيرة ويتحدث عن «مواجهات بيننا وبينهم نتيجة تصنيف الناس بين مرتد وعميل».
وقال رئيس البلدية لـ «الحياة» إن إطلاق الصرخة سببه أن «أهالي عرسال لم يعودوا قادرين على احتمال الظلم الذي يأتيهم من كل جانب بسبب تواجدهم في المنطقة الوسط بين الأفرقاء المتنازعين، فعندما يقرر «حزب الله» مهاجمة المسلح السوري يقتل العرسالي للاشتباه بأنه تكفيري، وعندما يرد الحزب يقتل العرسالي بحجة أنه مرتد، وطبعاً لا توضيح ولا اعتذار ولا حتى فتح تحقيق، فالأمر لا يستحق العناء، إنه مجرد عرسالي مات ولا قيمة له».
 
3 آلاف عائلة محتاجة
وفي الصرخة أن «هويتنا ضاعت علماً أننا في كل مرة نؤكد وطنيتنا وانتماءنا لبلدنا الحبيب لبنان وهذه حقيقة وقناعة، ونؤكد وقوفنا إلى جانب الجيش اللبناني وهذا شرف لنا، ونتمسك بتعاطفنا مع الشعوب المظلومة في كل مكان في العالم وهذا حق لنا».
وسأل الحجيري: «ما هو الذنب وما المطلوب منا؟ هل يراد لنا أن نغادر أرضنا على قاعدة أن الذي لم يهجره السيف يهجره الخوف ورغيف الخبز؟ إن أبناء عرسال اليوم همهم الأول والأخير لقمة عيشهم وقوت عيالهم، وهم يعانون من المضايقات والتفتيش الممل على حواجز بتهمة التعامل مع الإرهابيين وبعد وصولهم المتأخر إلى مصالحهم وأرزاقهم فهم لا يسلمون من رصاص الشرق والغرب».
ويشير الحجيري إلى أن نحو 300 عائلة من العراسلة سجلت على قائمة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على أنها الأكثر حاجة، في إطار مساعدة المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين.
وأوضح «أن العراسلة يواجهون منافسة في العمل داخل بلدتهم، فبعض اللاجئين فتح مصالح له في البلدة ويتزود بمنتجات سورية عبر داعمين له ليبيعها في لبنان مستفيداً من انخفاض قيمة الليرة السورية، لافتاً إلى أن حظر التجوال على اللاجئين السوريين لا يزال ساري المفعول في البلدة، فممنوع عليهم التجوال بعد العاشرة مساء وحتى حلول الصباح.
ويقول إن من بين 700 منشرة ومقلع في الجرود، يعمل 150 حالياً منها فقط لأسباب تتعلق بالوضع الأمني وبعضها لأسباب تتعلق بحلول فصل الشتاء. ويتحدث عن ضغوط من الناس فالوضع الاقتصادي يتدهور بشكل متسارع، ونلاحظ الأمر من تراجع حركة البناء وشكوى الناس أنهم يحاولون فقط تأمين قوتهم اليومي ووسائل التدفئة من دون رفاهية.
ويقول الحجيري: «إن المحاصرين في الجرود لم نسمع أن أحدهم مات من الجوع، بل قيل لنا إنهم يأكلون «المكسرات الإكسترا»، أما نحن فندفع ثمن عدم وجود ضوء أخضر لإنهاء الوضع القائم، فلكل طرف حساباته ونحن خارجها».

الحياة