من المسلمات الفكرية عن المفكرين , أن الفكر الديني هو نتاج فهم بشري للرسالات السماوية , ويتشكل عادة من خلال قراءة الفقهاء والفلاسفة والمتكلمين واللاهوتيين للنص الديني , ( كتب سماوية , أو كلام الانبياء مباشرة ) , نظريات وعقائد ومفاهيم , تنسب الى الاديان , وتُسمى بإسمها , ولكن كل هذا لا يعدو كونه فهما بشريا , ويمكن أن يقال أنه هو القدر الممكن الذي توصّل إليه المفكرون والفقهاء وغيرهم مما ذكرنا .
 

وعلى هذا الاساس فرّق هؤلاء المفكرون بين الدين والفكر الديني , وبات عندهم من المؤكد أن الذوق البشري كان له حيّز كبير , ودخالة مهمة , في هذا الفهم وبالتالي فيما هو سائد اليوم من فكر ديني , أو مذاهب دينية , هذا يعني أن النص الديني الاصلي ما زال قابلا لإعادة القراءة من جديد على ضوء معطياتٍ فكرية وعلمية جديدة وخاصة في الزمن الراهن الذي تطورت فيه النظريات العلمية , وباتت العلوم تخضع لمناهج جديدة . 
ليس ما إتُبع  من آليات لفهم النص  قديما , موضع شك أو رفض , بل كان ضروريا حسب المُتاح آنذاك لفهم المراد والمقصود من الشرائع والاديان , حيث أنها كانت موجهة  للناس , وهم مأمورون بتطبيقها , فلا بد لهم من فهمها ومعرفتها ليُصار إلى تنفيذ المأمور به , من هنا قد نشأت نظريات في المعرفة خاضعة لمناهج لغوية , لان اللغة كانت كافية لفهم النص بظاهره , ومؤخراً أدخل المنهج العقلي , لانه بدأ يلوح شيئا فشيئا نوع من التعارض بين العقل والنقل , مما إضطر بعض علماء الكلام لإخضاع النقل للتأويل العقلي , وعلى رأس هؤلاء , علماء المعتزلة , وخاصة في نهاية القرن الاول الهجري , حيث أن الاسلام بدأ يتوسع , ويحتك بأفكار جديدة وفلسفات جديدة , لم يعد يكفي الدليل النقلي لمواجهة ما إستجدّ من تحديات فكرية ودينية وعقائدية  .

إقرأ أيضا : بماذا إبتليّ الاسلام ؟


إلا ان المناهج التي كانت متبعة في تلك المراحل , لم تخضع لفلسفة النقد , من أجل تصحيحها وتصويبها , حيث أنه من الضروري , إخضاع المنهج إلى مراقبة منهجية , وإلا مَن يضمن أن النتائج التي حصلنا عليها صحيحة وموافقة للواقع .
إن الدين لا يمكن أن يخالف العقل الذي وجّه إليه التكليف , على سبيل المثال وليس الحصر , إن الكم الهائل من المسلمات واليقينيات المسبقة , التي تشكّلت عندي من خلال  تقليد مَن سبقني من العلماء , و لم تناقش ابدا , وهي عبارة عن نتاج بشري , تحوّلت إلى قواعد منهجية متّبعة في آليات الاستنباط أو قراءة وفهم النصوص الدينية , هذه المسلمات واليقينيات المسبقة تعتبر عائقا أو حاجزا لتطوير الفهم أو إستخلاص فهم جديد , هنا مربط الخيل كما يقال , فلا بد من إخضاع هذه الاليات إلى نظرية فلسفية معاصرة .
ثمة مَن يمنع هذا الحراك الفكري , أو يرفض أيّ تشكيل لورشة ثقافية , تحاول خلق السؤال أولا , وثانيا خلق مسألة أو طرح إشكالية , لأن مهمة الفكر طرح ذلك والبحث عن أجوبة في مضانها , وعلى مستوى الدين والشريعة لايجوز منع السؤال مهما كان نوعه , ولا يجوز منع التفكّر مهما كان , لأن هذا هو التكليف الاساسي من الله للإنسان , وإلا لماذا خلق العقل وأودع في الانسان الافكار الفطرية , أليس من أجل الحراك الفكري ؟