بعد إطالة أمد الفراغ الرئاسي إنبرى الجميع لتحمّل مسؤولياتهم من شخصيات سياسية وأحزاب، وأنتجت المشاورات السياسية وقتذاك تسوية تاريخية أدت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية الذي بدأ عهده بخطاب أكد فيه  العودة إلى جميع المسلمات الوطنية وإطلاق عملية سياسية جديدة تصون البلاد والعباد إنطلاقا من القانون والدستور .
إستكمالا لهذه التسوية جرت تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة بأغلبية نيابية عالية واستطاع الخروج بحكومة وحدة وطنية ضمّت معظم الأطياف السياسية في البلد وكانت هذه الحكومة تجربة جديدة لتسوية فرضتها استحقاقات وطنية قادمة من أهمها إقرار قانون انتخابي جديد .
إنطلق الرئيس الحريري ومنذ إعلانه تبني ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية من مسؤولية وطنية عالية ومن مسلمة وضع حد للتعطيل والفراغ وعلى هذا الأساس إنطلق الحريري بحكومة جامعة وعن قصد لم يلتفت الحريري لمعادلة الأرقام والحصص ولم يعرها أي اهتمام بالنظر إلى المسؤولية الأكبر هي مسؤولية الوطن والدولة.
إنطلقت بعد تشكيل الحكومة جملة إنتقادات واحتجاجات وشاء المعترضون تسمية هذه الحكومة بحكومة حزب الله أو حكومة حلب وذلك على سبيل المزايدات والتشويش على الحريري والتسوية التي أفضت إلى هذه التشكيلة .
وأيا تكن الآراء من هذه التشكيلة الحكومية الجديدة فإن المسؤولية الأهم هي أن هذه الحكومة وضعت حدا للتعطيل والفراغ وهي انطلاقة للهعد الجديد الذي يجب أن يحظى بفرصة تقديم تجربته الأولى .
لم تُطعم المزايدات يوماً خبزاً لجائع. ولم تقرّب مظلوماً من حقّه. ولم تُنزل صاحب حق من عليائه، مثلما أنها، في الشأن الوطني العام، لم تنهِ أزمة دستورية أو سياسية، ولم تشق طريقاً ولم تعمّر مستشفى ولم تفتح مدرسة ولا جامعة.. إلخ. بل الواقع هو أن المزايدة هي عدة العاجز لا أكثر ولا أقل.
هذه الحكومة التي سمّاها الرئيس سعد الحريري حكومة الوفاق الوطني هي نتاج جهد من قرر أن يشتغل ولا يبقى متفرجاً. وأن يعمل من أجل المصلحة العامة لا أن يستسهل إطلاق المواقف والشعارات فيما البلد كله على كف عفريت، والأزمات تتراكم وتطحن بوطأتها الدولة والناس. وفيما الاقتصاد الوطني يعاني الأمرّين، والنقد الوطني معرّض لأخطار يعرفها جيداً أهل الاختصاص والقرار والمعنيين. وفيما التحديات المتأتية عن نكبة سوريا تتوالى وتطرح مخاطر مصيرية لا تبدأ بمأساة النازحين ولا تنتهي بالإرهاب. وفيما العالم من حولنا بالكاد يستفيق على مشاكله وأزماته وفيما الاستقرار الاجتماعي والأمني والميثاقي مهدّد بالعمق..
الرئيس الحريري قرّر أنه رجل مبادرة وليس مزايدة. وتصرّف بواقعية من أجل لبنان كله واللبنانيين جميعاً، وارتأى أن أهم خدمة يمكن أن يقدمها أي متنكّب للشأن العام هي العمل على إعادة إحياء المؤسسات الدستورية والشرعية وإطلاق سراحها من أسر التعطيل وبالتالي الحفاظ على الدولة وكيانها وحضورها ودورها ورفعتها.. ما فعله في كل حال، هو الذي يدل على الفارق بين رجل الدولة الوطني والمسؤول وبين غيره من محترفي المزايدات والعجز.