آن الاوان لإطلاق عملية إصلاح على المستوى الفكري والنظري الديني مقدمة للإصلاح السياسي والاجتماعي في مجتمعاتنا الرازحة منذ زمن بعيد تحت ظلم الممارسات المخبّأة تحت عناوين دينية .

النص :

لقد إبتُليّ الاسلام منذ نشأته وما زال إلى الان , بقرّاءٍ لنصوصه قد إسقطوا ثقافتهم وإعتقاداتهم على النص , فأسسوا نصا إسلاميا جديدا , وإعطوه صفة المقدس  , فبدل أن تتحوّل ثقافتهم إلى ثقافة الاسلام , قد تحوّل الاسلام إلى ثقافتهم , وهنا تكمن المشكلة العويصة في عملية الفرز والغربلة .

إن عملية الاصلاح الديني المنشودة , هي عملية مُعقدّة وشائكة , لانها تحتاج إلى ورشة غربلة وفرز , للأفاهيم الهجينة التي دخلت على الاسلام مصاحبة معها كل تراث الداخلين , وخاصة في هذا الزمن الذي عظمت فيه البلاءات الفكرية بإسم الاسلام , وزاد الطين بِلة , أنه لم يعد هناك تمييز بين أهل الخبرة وغيرهم لسهولة نشر المعلومات دون تحقيق علمي دقيق , بالاضافة إلى وجود مشاريع سياسية من مصلحتها أن تنشر هكذا فهم للدين الاسلامي .

مع هذا الخلط بين نصوص الاسلام الاولى وبين نصوص جديدة قد شُكّلت هذه الجديدة مع سيرة نشوء الحضارات السابقة على الاسلام , ودخلت على الساحة الفكرية الاسلامية  مع دخول أصحابها إلى الاسلام  , أسّس تراث ديني وتراكم بحيث أصبح مزيجا من ثقافات متعددة , وإعتقادات مختلفة , فمن الطبيعي أن لا يتخلى الداخل من كل مكوناته الفكرية , وبالتالي مع أخذه بالجديد يتشكّل عنده نوعا من المتناقضات الفكرية والثقافية والاعتقادية , من هنا لا بد من العمل اولا على كشف هذه المتناقضات ويُصار إلى فرزها , بمعنى التمييز بين الدخيل والاصيل في الفكر الديني الاسلامي .

لا ننكر صعوبة هذا الامر , لأننا نعرف أن هناك ما يسمى بحرّاس التراث الديني , الذين يخشون الدخول بهذه العملية الاصلاحية بسبب خلفيات متعددة , منها الخلفيات الصادقة و منها الخلفيات الكاذبة , ومما لاشك فيه أن بعض حرّاس التراث هم من الذين يمسكون بالقرار الديني على اعلى مستويات , وإن أيّ فتحٍ لهذا المشروع الاصلاحي قد يؤثر على مصالحهم السلطوية , فلذلك إن هذه العملية سوف تصطدم بعقبات كثيرة ولكن هذا لا يعني الرضوخ والقَبول بما هو سائد وخاصة أنه مصدر اساسي للسّد المنيع أمام أي تقدم حضاري في مجتمعاتنا .