انزلاق سوريا في آتون الحرب الأهلية واستمرارها لما يزيد على الخمس سنوات ونصف، وما تتعرض له حلب من دمار وخراب سيبقى وصمة عار في جبين الأمة العربية لتخاذل أنظمتها وحكامها عن التدخل لإيقاف طاحونة الموت التي تطحن الحجر والبشر وعن الحد من المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري رجاله ونسائه وأطفاله
 

فمنذ الشرارة الأولى لانطلاق الثورة في سوريا في العام 2011 وما تبع ذلك من حروب مذهبية امتدت على كافة الأراضي من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب مرورا بالداخل وصولا إلى الساحل، وسوريا تعيش نكبة حقيقية، بل تعتبر مأساة العالم الحالية بعدد القتلى الذي قارب النصف مليون وضعف ذلك من الجرحى وملايين المهجرين والمشردين واللاجئين والمفقودين، وبالمشاهد المؤلمة والصور الصادمة عن الضحايا الأطفال والنساء والعجزة وعلى مدار الاسبوع، ذلك أن هذه المأساة تكشف عن تخاذل العرب واستهتارهم عن حماية بلدانهم وأوطانهم وأهلهم والمحافظة على كرامتهم وسيادتهم واستقلالهم وتقرير مصير شعوبهم في الحاضر والمستقبل. 
فمعظم دول العالم أقحمت نفسها وتدخلت وشاركت في المأساة السورية مباشرة أو بشكل غير مباشر، إلا الدول العربية فإنها نأت بنفسها وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد، سوى تدخل البعض القليل منها والذي جاء كرد فعل ومن باب تصفية الحسابات على تدخلات خارجية، لا انطلاقا من الحرص على دولة شقيقة وحماية شعب ينتمي لنفس الهوية. 
ومن أكثر الدول انزلاقا في المذبحة السورية روسيا التي لم تسمح بتغيير النظام في دمشق أو إسقاطه، وكان هدفها واضحا منذ بداية تدخلها وهو ترسيخ أقدامها في سوريا كقاعدة انطلاق لتحقيق مصالحها الإقليمية والدولية أولا، وقد تحقق لها ذلك. وفي مسألة حلب فإنّ موسكو وإن أبدت في الظاهر شيئا من التعاون لحل مشكلتها إلا أنها لم تخفِ رغبتها في إفراغ المدينة من كل العناصر المسلحة على غرار نموذج داريا. 
وقد نجح الدب الروسي في التربع على قلب سوريا أو بالأحرى في سوريا المفيدة موزعا بعض الأطراف على شركائه في الجنوب والشمال والغرب المحاذي للبنان. 
لذلك لم يعد أمام المعارضة بشقيها السياسي والعسكري سوى البحث عن استراتيجية مختلفة بعد فشلها في إسقاط النظام، وترسيخ شعار الدولة المدنية، وبالتالي لم تنجح في بناء جسم مستقل إلى حد ما عن الأصدقاء الكثر. في حين أن النظام أجاد في لعب ورقة الإرهاب التي لاقت أصواتا مؤيدة في الخارج من الرئيس الأميركي ترامب إلى المرشح الفرنسي للرئاسة فرنسوا فيون إلى آخرين لم يترددوا في إعادة علاقات أمنية مع أجهزته. إلا أنه فقد سلطة القرار الفعلي سياسيا وعسكريا وباتت هذه بيد موسكو وإن شاركتها إيران أو زاحمتها في بعض المناطق. 
لذلك لم يبق أمام المعارضة السورية في الأيام المقبلة سوى القبول بالمصير المفروض على حلب، فإما التدمير الكامل للمدينة أو الانسحاب خارجها حفاظا على ما تبقى منها. سيما وأنه من الصعوبة مقاومة جيوشا روسية وإيرانية مدججة بكل أنواع السلاح الثقيل إضافة إلى الميليشيات الآتية من لبنان والعراق وأفغانستان والتي تقاتل إلى جانب هذه الجيوش، ذلك أن تسليم المعارضة قيادتها للشركاء والأصدقاء في الخارج يعني بكل بساطة خروج حلب عن سيطرتها وأنها لن تكون قادرة على مقاومة الحلول أو الصفقات المفروضة. وهذا قد يؤشر لشكل آخر من الصراع في سوريا.