إن التناقضات التي تحكم العلاقة بين الأطراف اللبنانية التي دعمت عون جعلت من مسألة الوفاء بتعهداته لكل طرف من هذه الأطراف أمرًا غاية في الصعوبة إن لم نقل أمرًا مستحيلا.
 

أما وقد وصل الرئيس القوي إلى القصر الرئاسي في بعبدا واعتلى سدة الرئاسة، فمن الطبيعي أو بالأحرى من حق أي مواطن لبناني أن يطرح السؤال المشروع والبديهي: أين هي القوة التي كان دائما العماد ميشال عون يتغنى ويفاخر بها على أقرانه من زعماء الموارنة ويدّعي امتلاكها دون سواه ممن يشهد لهم التاريخ بتضحيات بذلوها وأدوار لعبوها للحفاظ على لبنان الرسالة المتحرر من قيود التبعية ومن أي ارتباطات خارجية في لحظات مفصلية عصيبة؟  
وبالتالي لماذا لا يستخدم هذه القوة للاقلاع بعهده المفرمل تحت كوابح أهواء وأطماع ونزاعات الحلفاء والأخصام؟ 
واستطرادا لماذا لا يشهر سيف هذه القوة بوجه المعرقلين لتشكيل الحكومة تاركًا الرئيس المكلف سعد الحريري يتخبط في وحول الساحة السياسية الداخلية وغارقًا في مستنقع طلبات وإلحاحات الأفرقاء من كل الاتجاهات ذات السقوف العالية والتي تصعب معها، بل تستحيل إمكانية تدوير الزوايا للخروج من مأزق التشكيل دون إحداث خدوش لبعض الفاعليات. 
لا شك أن للقوة معانٍ تحتمل الكثير من التأويل والتفسير ولكن الأكيد أن الرئيس العماد ميشال عون لم يأتي من حلبة المصارعة ويتمتع بعضلات قوية ليطلق عليه بالرئيس القوي، وكذلك فإنه لم يتولى الرئاسة بانقلاب عسكري تمكن من خلاله أن يقضي على خصومه وأعدائه سياسيا وعسكريا. وأيضًا فإنه لم يسلك طريق بعبدا إلى قصرها في سيارة جيب عسكرية على رأس رتل من المدرعات والمصفحات وناقلات الجند تحمل إضافة إلى طواقمها جيش جرار يشكل العمود الفقري لميليشيا مسلحة خاضعة له حتى يتمكن من فرض نفسه كرئيس قوي. 
فالعماد ميشال عون وفي لحظة محلية وإقليمية ودولية واستثنائية بامتياز تمكن خلالها من العبور إلى الرئاسة في بلد أبوابه مشرعة أمام كافة الاحتمالات والتدخلات الخارجية وتصفية الحسابات للصراعات التي تدور رحاها في المنطقة العربية. 
وإذا كان هناك من قوة يتمتع بها الرئيس القوي فهي ناتجة عن مجموعة عناصر تلاقت على تقاطع بعبدا أوصلته إلى القصر الرئاسي. 
وهذه العناصر تبدأ بتحالفه مع حزب الله الذي عطّل الرئاسة على مدى سنتين ونصف بدعمه ترشيح العماد عون على قاعدة عون أو لا أحد. وأيضا من عناصر القوة التي يتمتع بها عون عنصر آخر تمثل بانسحاب رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع من معركة الرئاسة لمصلحته ودعم ترشيحه لاحقا بعد الاتفاق الذي تم بين الثنائي المسيحي "التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية " في معراب. وكذلك أضيف إلى هذه العناصر عنصر قوة آخر دخل في رصيد عون نتج عن القرار الصعب الذي أقدم عليه زعيم تيار المستقبل سعد الحريري بتبني دعم ترشيح العماد عون للرئاسة متجاوزًا مرحلة طويلة من العلاقة المتوترة بين الطرفين. 
وإذا كانت عناصر القوة هذه قد تقاطعت في حقل العماد ميشال عون لكنها لم تتطابق أبدًا مع حسابات بيدر الرئيس عون، إذ أن كل عنصر من هذه العناصر كان مرهونًا بتعهدات ومطالب ومواثيق ألزم عون نفسه بتلبيتها عندما تطأ قدميه قصر الرئاسة. 
وإن التناقضات التي تحكم العلاقة بين الأطراف اللبنانية التي دعمت عون جعلت من مسألة الوفاء بتعهداته لكل طرف من هذه الأطراف أمرًا غاية في الصعوبة إن لم نقل أمرًا مستحيلا إذا لم تتم تنازلات معينة لهذا الفريق أو ذاك لدرجة تتضاءل معها عوامل القوة لتحل محلها عناصر الضعف وتتحول عناصر قوة زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون إلى عناصر ضعف وهو في موقع الرئاسة. 
وعليه يمكن القول أن مجموعة العناصر والعوامل التي كانت كانت مصدر قوة عون هي نفسها ستكون مصدر ضعفه وهو في موقع الرئاسة.