الشاّعر لا يكتفي بفتاة واحدة.

و قريبًا مشروع نشر ديوان في الشّعر الإباحي المنظوم سابقاً.

هادي مراد الشّاعر الأصغر سنًا في نقابة الفنّانين المحترفين، ومشروع طبيب الأمراض العصبية والنّفسيّة، أكّد البارحة أثناء مقابلته في حرم الجامعة اللّبنانية الأميركيّة في بيروت على أهميّة الشّعر كموهبة أدبيّة في حياة الطّبيب، وأوضح علاقتها القوية بدراسة وممارسة الطّب وخاصّة الطّب النّفسيّ. واعترف بجنون الشّاعر في عدم اكتفائه بامرأة واحدة حتّى ولو أخلص لها أو كان على علاقة جدّية معها قائلًا: "يحقّ للشّاعر ما لا يحقّ لغيره!". هذا و كشف مراد عن تفوّقه في  نظم الشّعر الإباحيّ على الشّعر العذريّ كونه طبيبًا شاعرًا في دواوين كان قد كتبها سابقًا، إلّا أنه يرفض نشرها خوفًا من ردة فعل الجمهور السّلبية تجاهها. ولكنّه وعد بالمباشرة بنشر بعضها حالما يصبح لديه جمهورًا من زملاء الطبّ للمحافظة على القاعدة الشّعبية، التي تشمل القرّاء والمرضى أيضًا. 

تضمّنت المقابلة مناقشة عدّة محاور ألا وهي الشّعر كموهبة، علاقته بدراسة الطّب النّفسي، ومساهمته في علاج المرضى النّفسيّين.

الطّبيب والشّاعر الرّاقي هادي مراد قام هو بنفسه بالحضور إلى الجامعة حيث ستتم المقابلة. هذا الطّبيب المتواضع و الشّاعر المرِح الذي لا يمكنك أن تجلس في حضرته إلّا وتشعر بالرّاحة النّفسية، فهو رجلٌ صريحٌ عفويٌّ، وواثقٌ من نفسه، يحدّثك بوضوحٍ وصراحةٍ قلّ نظيرهما هذه الأيام.


و هنا نصّ الحوار:

• كيف بدأ هادي مراد مسيرته الأدبيّة ومتى اكتشف هذه الموهبة؟

❖ سؤال جدًّا واسعٌ ومن الصعب أن أختصره بدقائق، ولكن إلهامي بالشعر بدأ من عمر صغير جدًّا وهو في سن الخامسة حيث كنت أقرأ ما تيسّر من الشعر.

كنت أتلصّص على شعر عمّي الذي هو أيضًا طبيب في الجامعة الأميركية. كان يملك مكتبةً في منزله حيث كنت أذهب لأقرأ ما فيها كتابًا تلو الآخر. في نفس الوقت، الفضل يعود إلى إخوتي الأكبر سنًا، حيث عمدوا إلى مساعدتي في حفظ الشعر. عندما كنت في الصف الأول، حفظت بعض المُعَلَّقات و بدأت بارتجال الشعر فكنت أفاجئ أساتذة اللغة العربية كلّما دخلت إلى الصف. بعدها أصبحت أغنّي هذا الشعر الكلاسيكي ولكنني توقفت عن القراءة حتى عمر الخمس عشرة سنة عندما تعلَّمتُ العَروض بسهولة نظرًا لقدرتي على وضع الوزن قبل التقطيع. من هنا نَظَمتُ أول قصيدة كلاسيكية في هذا العمر الصغير.

 
• مِمَّن يستوحي هادي مراد شعره ولمن يكتب؟

❖ (محرَجًا) الشاعر كما يصوّره جبران هو الغريب الذي يرى نفسه في ما لا يراه الغير؛ يستطيع أن يرى نفسه ضئيلًا عندما يكون كثيرًا و قويًا عندما يكون ضعيفًا. من هنا، أنا أتأثّر بِعُقَد نفسية، بمشاهد، وبمفاعيل كثيرة. مثلًا، أول ما أثر فيّ عندما بدأت الكتابة هو الموت، حيث توفي عمي في عمرٍ صغير جدًّا، هذا كان السبب في نشر أول كتاب لي. الموت برأيي يستفزّ الحسّ الشعري داخلي لأن الموت يأخذ منك شيئًا ونحن نكتب لكي نستعيض عن هذا الشيء. 

المرأة كانت المؤثر الثاني لي بعد الموت، وكما أقول دائمًا: القصيدة لا تُكتب عن المرأة بل في عدم وجودها الحقيقي، ففي وجود المرأة تكون هي القصيدة وأما عندما أكتب القصيدة، فإني أخون المرأة مع نفسي. إنّ أجمل القصائد التي كتَبتها لم تُكتب عن امرأة حقيقية، ولكنك تسطعين أن ترَي هذه المرأة في القصيدة.

 
• هل صحيحٌ أنَّ الشّاعر يكتب عمَّا ينقصه فيُبدِع؟

❖ نعم. الشاعر يكتب عما ينقصه وحالما يأتي ما ينقصه يتوقّف عن الكتابة. ومن المفروض، فإنّ الزواج قانونٌ و دستور، هو إيجاد المرأة التي لن يخرج مع سواها. أما عند الشّاعر، هذا الإنسان المجنون الذي يعتبر أنّ ما يحقّ له لا يحق لغيره، فهو لن يكتفي بهذه المرأة ولو أخلص لها ولو أحبّها. مثلًا، نزار أخلص لبلقيس عندما قال لها: "أشهد ألّا امرأةً". هو لم يكتب لها ولم يُفصح للعَلَن بأنها تحمّلته عشر سنوات إلّا لأنه كبر وأصبح عجوزًا، و لم تَعُد معظم النّساء تنعجب به بعمرٍ ناهز السبعين. الشاعر هو الرجل الأكثر جرأةً، بمعنى أنّ رجلًا عاديًا لا يستطيع أنّ يعبّر عن حبّه لهذا الشّيء في كلّ امرأة، أمّا الشّاعر يقدر. وأنا بكل جرأة أعبّر لك عن علاقتي الشخصية السابقة التي قضيتها أربع سنوات، كنت جريئًا في إعجابي بكلّ امرأة تمرّ في حياتي حتّى وإن كنت جدّيًا في علاقتي بهذه الامرأة. هذا أثّر سلبًا على علاقتي فلا يوجد امرأة تقبل بذلك إلّا أنها تحب هذا الشّعور مع الشّاعر و تحب أن تجرّبه. كوني أنا طبيبًا، اسمحي لي أقول أن المرأة بتركيبتها الفيزيولوجية تمتلك شعور ال "PMS" وهو شعور لا يتوقف فقط على الدورة الشهرية بل هو شعورٌ ملتزمٌ معها طوال الشّهر لذا فهي تحب طريقة تفكير الشاعر إلا أنها تكره أنه يُعجب بكل فتاة فتودّ سبر غور هذا الشاعر وامتلاكها له وحدها، وهذه علاقة النّقيض وضده.

 
• ما الذي يميّز  كاتبًا شعريًا عن آخر ويمنحه صفة شاعر ويؤهّله أن يكون عضوًا في نقابة الفنانين؟

❖ في الآونة الأخيرة ازداد عدد الكتّاب كثيرًا، لكنّ ليس كلّ من كتب كلمتين جميلتين أصبح شاعرًا، وليست القافية هي الشيء المراد (ضاحكًا لتطابق كلمة مراد مع اسم عائلته).
 

في القديم، كان يُقال احفظ ألف بيتٍ من الشعر ثم انسى ألف بيتٍ من الشعر تصبح شاعرًا، أمّا الآن تغيّرت المسألة فقد أصبحت القصيدة الآن أصعب لأن كل ما قيل وكل ما يقال في الشعر على مرّ العصور بات معروفًا، على الإنسان الآن أن يأتي بشيء جديد جدًا لكي يقال عنه شاعرًا. لذا، فعلى الشاعر أن يأتي بصورة جديدة، إيقاع صحيح غير مكسور، ويحافظ على المنهجية في الوزن كي يتميز عن غيره. وبالنسبة لنقابة الفنانين المحترفين، هناك شروط للانتساب، هناك دراسة لملف هذا الشاعر، الكتب التي نشرها، الأغاني التي كتبها أو لحّنها، بالإضافة إلى اكتسابه رضى وتوقيع وزارة الثقافة وهذا ما قمت به أنا منذ سنة ونصف على أمل أن نورث هذا التاج لشخصٍ ما قريبًا.

• ما هي اليوم نسبة قراء الشعر؟

❖ لنكون صريحين، باتت قليلة جدًّا ونادرة, لذا أنا دائمًا أحاول على صفحات التواصل الإجتماعي أن أستعرض سطورًا قليلة جدًّا من الشعر التي تضرب الجمهور السامع والقارئ و تجذبه. نحن الآن نهتمّ أكثر ليس بالكمية بل بنوعية الصورة، وخير الكلام ما قلّ و دلّ، وهذا يجذب القرّاء.
 

علاقة الشعر بدراسة الطب وخاصة الطب النفسي:

• ما علاقة موهبة الشعر بالدافع الذي جعلك تختار الطب كمهنة بشكل عام، والطب النفسي بشكل خاص؟  ما هي هذه العلاقة التناغمية بين الاثنين؟

❖ الطب بشكل عام يختلف عن الطب النفسي وأنا موهبتي بالشعر جعلتني أختار الطبّ النّفسي اختصاصًا لي كونه بعد ما رُدِمت فيه المنهجيّة المعتمدة بعلاج المريض خاصّةً في شرقنا الأوسط، أي أننا نحن في هذا المجتمع و هذا العصر بحاجة ماسّة إلى الطّبّ النّفسي. الكثير اليوم يأخذ موعدًا مع أطبّاء نفسيين لأشهر إلّا أنني لا أعرف اليوم مدى نجاح هؤلاء الأطباء في علاج المرضى. لذا، أحببت أن أعمل على ال "Psychotherapy" أي العلاج النّفسي الذي لا يمارسه الأطباء النفسيين الآن، أي معاينة المريض من خلال التكلم معه ومن خلال محاولة إراحته عبر الكلام الجميل، واللّعب على أفكاره السوداء في هذه الدائرة التي تنسجم مع ذهن المريض لتذهب وتعود إلى الأفكار عينها. والشعر جدًا مهم لأن الشاعر، كما قلت مسبقًا، يستطيع أن يرى في هذا الشيء أملًا ويستطيع أن يرمِّمَه. كذلك كطبيب يستطيع دون غيره أن يرى هذه الثّغرة أو العقدة المعيّنة في المريض النفسي فيتخطاها عبر كلامه و يمحيها. من هنا وجدتُ نفسي كشاعر أستطيع أن ألعب هذا الدور كطبيب نفسي وأتخلّص من أزمة هذا المريض بعيدًا عن الدواء أو كدواء درجة ثانية.

 
• الأطباء من أكثر الأشخاص تحمّلًا للضغط بشكل عام، فهل تعدّ كتابة الشعر منفسًا أو مهربًا للطبيب خاصة طبيب الأمراض النفسية والعصبية؟

❖ أكيد. دائمًا الأطباء، وبسبب الضّغط النّفسي الذي يتعرضون إليه، يحاول معظمهم أن يجدَ منفذًا له بالفنّ، أي هناك أطباء لهم أعمال مسرحية مثل الطبيب "جاك مخباط" الذي يعطي مادة الأمراض الجرثومية في جامعة ال "LAUMC"، و غيره أطباء لهم حفلات موسيقية وغنائية. لذا، لا شك أن الطبيب يحتاج إلى منفذ فنّي وأنا من مشروع الأطبّاء الذين يمتلكون أكثر من منفذ فنّيّ ومنهم الشعر بشكل أساسي.

 
• ما صعوبة أن يقضي الطبيب معظم وقته مع المرضى النفسيين، وأن ينظم شعرًا غزليًا ينبت من القلب؟

❖ من قال أنه صعب! أنا من أجمل القصائد التي كتبتها كانت عن امرأة كانت في مستشفى دير الصّليب للأمراض العقليّة. هي حادثة صغيرة تمرّ، مثلًا، امرأة تعجبك في هذا المكان فتؤثّر فيك وتجعلك تحبين المكان كلّه. فأقول في هذه القصيدة: "يقولون إنّهم الأصحّاء وإنّ طبيبهم هو المجنون وإنّ ابتعادك جنّنهم، وإنّك كلّما مررت بهم صلّوا لربّهم أن يبقوا هنا أكثر. 

هم يخافون النوم لأنّ وجع الصحوة يقلقهم، ويحبّون الشعر لذا يهرعون إلى المشغل ليمارسوا العروض على شغف أمنيتهم، يقولون إنّ صداعهم نصفيّ وأنّ عينيك أغلى مضادٍّ للاكتئاب، وأنه الطّب بأسره يسجد لعينيك صبح مساء. الحياة هنا أجمل في الخارج يا طبيبة، الطّعام هنا ألذّ لمّا تقع شفتاك عليه، والقهوة هنا مخدّرٌ كاسر للهذيان، والسّجائر والدّخان هنا لا تسبّب السّرطان ولا تقتل، والمشفى يدور على خدّيك والأطبّاء يصفونك كعلاجٍ دائمٍ لنوبات القلق والهذيان والاكتئاب؛ يقولون أنّهم الأصحّاء..."

 
• بعد أن تتعمق بالطب النفسي، هل تجد نفسك ستبتعد عن الشعر الغزلي بالمرأة تحديدًا، وتطلق العنان لنقْل معلوماتك الصحية والطبية للقراء عبر شعر من هذا القبيل؟

❖ (ضاحكًا) لا أبدًا. تحدثنا عن هذا سابقًا.

 
• الطبيب جريءٌ لا يعيبه شيئًا، وهادي بدأ مسيرته الأدبية بشغفه بالشعر الجاهلي. هل من الممكن أن تحوِّل جرأتك بالطب إلى جرأة بالشعر وتنظم شعر إباحيًا، الشعر الذي كان متعارفًا عليه في العصر الجاهلي؟

❖ أنا جريء وأنا أكتب شعرًا إباحيًا، حتى وأنني نجحت في الشّعر الإباحي أكثر من الشّعر العذري. لا أنشره لسببٍ واحد وهو غضب الجمهور الذي لا يقبله إلّا أنّه هناك جمهورًا يقبل هذا الشّعر ويحبّه. أعدك أن أنشر شعر إباحي، هو موجود، هناك كمًّا هائلًا وهناك مشروع ديوانٍ إباحي كامل على غرار ديوان "طفولة نهد" لنزار قباني، هناك ديوان في صدد التحضيرالمستقبلي بعد أن يصبح لي جمهور زبائن في الطب لكي أحافظ على هذه القاعدة الشّعبية من المرضى.

 
 
مساهمته في علاج المرضى النفسيين

 
• كيف يمكن للطبيب الشاعر أن يلجأ إلى إلهامه وإحساسه الذي يتفرّد به والذي يستخدمه في الشعر فيستخدمه في مداواة مرضاه؟

❖ سؤال جميل. بالطبع الطبيب الشاعر مرهف الإحساس والشاعر على حدى، فإنّ إحساسه مع المرأة  يكفي أن يعيد بابل وحدائقها للتعليق، ويرمم بارمودا ومثلّثها. أنا مؤمن بمقولة أن الشاعر له الحاسّة السادسة. وبغض النظر عن المرأة فإن الشاعر يَصبو ويتوقع أشياء كثيرة، فكيف إذا كان هذا الشّاعر له هذا الإحساس وله قاعدة طبية ومعلوماتية هائلة! لذا، فهو يستطيع أن يوظّف هذه القاعدة العلمية مع إحساسه في سبيل أن يكتشف عقدة المريض ويضع النقاط على الحروف كي يستخرج منها ما بَطَن ويحاول أن يظهرها للعلن فيداويها بالتي كانت هي الداء.
 


• يقول قيس بن الملوح: "وما أنشد الشعر إلا تداويًت" انطلاقًا من هذه النظرية، برأيك: هل يمكن للشعر أن يكون مداويًا للمرضى النفسيين  إلى جانب العلاج؟

❖ أكيد! و كم من مرة استطعت من خلال الشعر أن أريح النساء في مستشفى دير الصليب عندما أقرأ لهنّ بعض الشعر. وأنا أستطيع أن أرتجل الشّعر، فكنت تلقائيًّا أرتجل للمرأة شعرًا في الموضوع الذي تختاره. وبرأيي فالشعر، كطاقة مهدّئة، هو أهم من ال Xanax أو إبرة Valium أو غيره، وهذا يحسب لي، لذا فأنا أُثني على نفسي في ذلك (ضاحكًا).
 

حاورته الإعلامية يارا الموسوي في الجامعة اللبنانية الأميركية.