إذا كانت إيران تريد فعلاً النجاح لعهد حليفها الرئيس ميشال عون وتؤكد صدقية تصريحات غير مسؤول فيها الداعمة للبنان، فما عليها سوى جعل السلاح حصراً في يد الدولة لتكون وحدها مسؤولة عن حماية لبنان وشعبه وصدّ كل اعتداء يقع عليه بالتفاف الجميع حول قواته المسلحة، وهو ما فعلته سوريا عندما دخلت قواتها الى لبنان إذ سحبت الأسلحة من أيدي الميليشيات اللبنانية، لأن لا دولة تستطيع أن تحكم بوجود سلاح خارجها وفي يد أي حزب أو طائفة، لان هذا السلاح لا يعطل قيام الدولة القوية فحسب بل يخلّ بالتوازن السياسي الداخلي الدقيق والحساس في لبنان ويهدّد السلم الأهلي.

لذلك مطلوب من إيران مساعدة العهد الجديد على إزالة كل سلاح خارج الدولة لأنها قادرة على ذلك كما كانت سوريا من قبل، فساعدت على تعزيز القوات المسلحة للبنان لتصبح قادرة على حفظ أمن الداخل وصد أي اعتداء من الخارج. أما إذا ظل السلاح في يد "حزب الله" فإنه يجعل أحزاباً أخرى تتسلّح هي أيضاً، فلا يعود الاحتكام عند أي خلاف للمؤسسات الدستورية إنما للسلاح وللشارع فتقع الفتنة.
إن بقاء السلاح خارج الدولة لأي سبب من الأسباب لا يحول دون إقامة الدولة القوية فقط بل يعطّل عمل السلطات والمؤسسات. وهو ما حصل منذ العام 2005 إذ ان السلاح استطاع فرض من يريد رئيساً للجمهورية ورئيساً للحكومة ووزراء فيها وحقائب. فـ"حزب الله" لم يعترف بنتائج انتخابات 2005 و2009 لأن قوى 14 آذار هي التي فازت فيها بأكثرية المقاعد واعتبرها أكثرية نيابية لا شعبية خلافاً لنص الدستور، وفرض تشكيل حكومات له فيها الثلث المعطل باسم "الشراكة الوطنية"، فكانت حكومات فاشلة وغير منتجة لأنها حكومات أضداد ومتخاصمين، ولم يلتزم الحزب بقوة سلاحه سياسة أي حكومة على رغم أنه كان شريكاً فاعلاً فيها، ولا التزم تنفيذ قرارات هيئة الحوار الوطني مع أنها اتخذت بالاجماع، ولا سيما قرار "إعلان بعبدا"، ولا شيء يمنع الحزب من أن يكرر ما فعل اذا ظل السلاح في يده، فيرفض اجراء انتخابات نيابية إلا على أساس القانون الذي يريد، فيتعرض لبنان عندئذ لخطر الفراغ التشريعي عندما لا تجرى انتخابات نيابية ولا يتم التمديد للمجلس، وقد يحول الخلاف دون الاتفاق على تشكيل حكومة فيبقى لبنان برئيس ولكن بدون حكومة بعدما كان بحكومة ولكن بدون رئيس. وعندما يحين موعد انتخاب رئيس للجمهورية بوجود مجلس نواب جديد وحكومة جديدة، وكان السلاح لا يزال في يد "حزب الله" أو في يد أي حزب آخر، فإن تعطيل نصاب جلسة انتخاب الرئيس قد يتكرر ويصبح قاعدة، حتى إذا طال أمد تعطيله، وأوشك لبنان على الدخول في المجهول، كما كاد أن يحصل هذه المرة، اضطر النواب على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم الى انتخاب اي رئيس خوفاً على مصير لبنان، وان يضطروا ايضاً الى القبول بأي قانون للانتخاب من أجل اجراء الانتخابات النيابية لأنها تصبح انتخابات الضرورة، كما صار انتخاب الرئيس عون، وان يضطروا الى القبول بأي حكومة خوفاً من فراغ يفتح على لبنان أبواب الفوضى العارمة، فتسود عندئذ سياسة "الفاجر يأكل مال التاجر"، وسياسة كل من يضع يده القوية على عنق لبنان يخيّر الخائفين عليه بين القبول بمن يريد رئيساً للجمهورية أو لا يكون رئيس في لبنان، وان تكون له هذه الحكومة او يبقى لبنان بلا حكومة، أو يكون لاجراء الانتخابات النيابية هذا القانون أو لا تجرى انتخابات.
هذا الوضع الشاذ الذي لا يحكمه دستور ولا قانون ولا نظام لا خروج منه إلا بمنع وجود أي سلاح خارج الدولة، ليكون في لبنان دولة لا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها.
إن السؤال المهم الذي ينتظر جواب ايران هو: هل هي مستعدة لأن تساعد حليفها الرئيس عون على جعل السلاح حصراً بالدولة لتكون وحدها مسؤولة عن حماية أمن الوطن والمواطن، وتجعل الدستور هو الحكم بين الجميع والقانون يطبق بدون تمييز ولا استثناء، أم تريد أن يبقى السلاح في يد "حزب الله" لأن دوره الاقليمي لم ينته بعد، ولا يهم إن لم تقم دولة في لبنان وظل الحزب هو الدولة، ولا أن ينتخب رئيس للجمهورية بإرادة حرة، ولا أن تشكل حكومة وفقاً لما نص عليه الدستور، بل جعل الشعب مكرهاً وبقوّة السلاح يقبل بأي رئيس واي حكومة وأي قانون للانتخاب خوفاً على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات، مع أنه لم يعد لسلاح "حزب الله" دور بوجود سلاح دول كبرى في المنطقة. فهل يكون العرض العسكري في بلدة القصير السورية نذير شر وليس بشرى خير للبنان؟

النهار