قال السيد الخمينيّ رحمه الله : "إنّ أكثرهم (أي الكافرين) إلاّ ما قلّ وندر جهّال قاصرون لا مقصِّرون، أمّا عوامُّهم فظاهر، لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحّة مذهبهم، وبطلان ساير المذاهب، نظير عوامّ المسلمين، فكما أنّ عوامّنا عالمون بصحّة مذهبهم، وبطلان ساير المذاهب من غير انقداح خلاف في أذهانهم، لأجل التلقين والنشوء في محيط الإسلام، كذلك عوامّهم من غير فرق بينهما من هذه الجهة. والقاطع معذور في متابعة قطعه، ولا يكون عاصيًا وآثمًا، ولا تصحّ عقوبته في متابعته. وأمّا غير عوامّهم، فالغالب فيهم أنّه، بواسطة التلقينات من أوّل الطفوليّة والنشوء في محيط الكفر، صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة بحيث كلّ ما ورد على خلافه ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ من بدو نشوئهم، فالعالم اليهوديّ والنصرانيّ كالعالم المسلم لا يرى حجّةَ الغيرِ صحيحةً، وصار بطلانُها كالضروريّ له، لكون صحّة مذهبه ضروريّة لديه لا يحتمل خلافه.

نعم، فيهم من يكون مقصِّرًا لو احتمل خلاف مذهبه، وترك النظر إلى حجّته عنادًا أو تعصّبًا، كما كان في بدو الإسلام في علماء اليهود والنصارى من كان كذلك، وبالجملة إنَّ الكفار، كجهَّال المسلمين، منهم قاصر، وهم الغالب، ومنهم مقصِّر، والتكاليف أصولاً وفروعًا مشتركة بين جميع المكلّفين، عالمهم وجاهلهم، قاصرهم ومقصِّرهم، والكفّار معاقبون على الأصول والفروع لكن مع قيام الحجّة عليهم لا مطلقًا، فكما أنّ كون المسلمين معاقبين على الفروع ليس معناه أنّهم معاقبون عليها، سواء كانوا قاصرين أم مقصّرين، كذلك الكفّار طابق النعل بالنعل بحكم العقل وأصول العدليّة"10.
، فمن كان قاصرًا عن إدراك الحقيقة، غير مقصِّر في السعي للوصول إليها، ولم يعتقد بها بسبب هذا القصور، فكيف يمكن للعادل أن يعاقبه؟! أليس عقابه يشبه عقاب المجنون أو الطفل الصغير على ما يرتكبه من دون وعيه لذلك؟!

إنَّ ما تقدَّم من منطق العقل نقرؤه في نصِّ القرآن الكريم الذي تحدّث عن عفو الله تعالى عن القاصرين الذين أطلق عليهم اسم المستضعفين قائلاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾4.

علّق العلاّمة السيِّد محمّد حسين الطباطبائيّ قدس سره على هذه الآية بقوله: "يتبيّن بالآية أنّ الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف، ليس فيه صنع للإنسان الجاهل، كان عذرًا عند الله سبحانه"5.

وقد رفض أهل البيت عليهم السلام المنطق المضيِّق لرحمة الله تعالى، كما يظهر جليًّا في الرواية التي أوردها صاحب الكافي عن زرارة قال: دخلت أنا وحمران (أو بكير) على أبي جعفر عليه السلام قلت له: إنّما نمدُّ المطمار، قال عليه السلام: "ما المطمار"؟ قلت الترّ6، فمن وافقنا من علويٍّ أو غيره تولّينا، ومن خالفنا من علويٍّ أو غيره برئنا منه، فقال لي: "يا زرارة، قول الله أصدق من قولك، فأين الذين قال الله عزَّ وجلَّ: إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً؟! أين المرجون لأمر الله؟! أين الذين خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًّا؟! أين أصحاب الأعراف؟! أين المولَّفة قلوبهم"؟!.
 هذا الفهم هذه العقيدة وحدها تقضي على سرطان التطرف الديني وتجعلنا من اهل المحبة للآخر والإعتراف بالآخر
 وقال السيِّد أبو القاسم الخوئيّ رحمه الله :
بحسب تقرير بحثه للبهسوديّ، في حديثه حول استحقاق القاصر للعقاب وعدمه: "المعروف بينهم أنَّ الجاهل القاصر غير مستحقّ للعقاب، وهو الصحيح، إذ العقل مستقلّ بقبح العقاب على أمر غير مقدور، وإنَّه من أوضح مصاديق الظلم، فالجاهل القاصر معذور غير معاقب على عدم معرفة الحقّ بحكم العقل إذا لم يكن يعانده، بل كان منقادًا له على إجماله".