قبيل حرب تموز، وقف السيد نصر الله في صور معلنا وعده بأنه سيفك أسر سمير القنطار من الإعتقال الإسرائيلي . أسابيع وينفذ نصر الله وعده، فيرسل من يأسر جنديين إسرائيليين، ثم يخرج في مبنى الأمانة العامة لحزبه في بيروت متحدثا عن التبادل مع الإسرائيليين . وظهوره الشخصي هناك يعني أنه كان لا يعرف شيئا عن ردة الفعل الإسرائيلية المتوقعة . في اليوم التالي بدأ العدو بتدمير المربع الأمني لمقر الأمانة العامة لحزب الله في الضاحية، وكذلك بدأ بتدمير مدن وقرى لبنان وخاصة في الجنوب . 

إنتهت الحرب بآلاف الشهداء والجرحى اللبنانيين، وبدمار واسع في لبنان، وبمقتل حوالي مائة إسرائيلي وبثقوب في بعض جدران منازل حيفا . فيما عاد لبنان وخسر مرة ثانية بلدة الغجر اللبنانية التي لا يجرؤ نصر الله على ذكرها بعدما عاد العدو وضمها إلى الجزء المحتل منها بعد تلك الحرب . بينما عادت إسرائيل وأفقدتنا "إنجازنا الوحيد" في حرب 2006 عبر قتلها الشهيد سمير القنطار في قلب دمشق، وهو السبب المعلن لعملية الأسر التي تسببت بحرب تموز التي أطلق إعلام نصر الله عليها إسم "الوعد الصادق" والتي أعلن بعدها نصر الله ندمه على التسبب !!
كذلك هو حال حزب الله الآن من خلال الإنخراط في القتال الدائر في سوريا . فبما أن نصر الله وعد بأنه سيهزم أمم الأرض هناك، فلا بد أن يستمر في القتال حتى آخر تابع له من شيعة لبنان، حتى لو باتت المراقد المقدسة والقرى الشيعية -التي كانت الذريعة المعلنة للقتال-  بأمان، فإن الذريعة الجديدة هي الحفاظ على محور المقاومة، وما أدراك ما ذريعة الحفاظ على محور المقاومة !!

إذن، المسألة في الظاهر هي في تكريس مصداقية "وعود نصر الله" ولو أدى ذلك إلى "بكربلا الكل استشهد" !!

اليوم هناك "وعد" من السيد نصر الله بالمجيء بميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية . فبالرغم من وجود جزء كبير من الطائفة المسيحية ترفض ترئيس عون، ووجود رفض كامل من كل الطوائف الأخرى، ولا سيما السنة وأغلبية الشيعة، وهؤلاء كلهم عندهم من الحجج والتجارب التاريخية ما يدفعهم لرفض وصول ميشال عون لسدة الرئاسة، فإننا نرى نصر الله وحزبه يصران على العمل لترئيسه، رغم كل مخاطر الفوضى الكبيرة التي قد تنتج عن وصول عون لسدة الرئاسة، ولا سيما داخل الطائفة الشيعية التي يعتبر شيخها وكبيرها الرئيس نبيه بري أن تسلم عون للرئاسة هو تحد وكسر له، والأخطر في ذلك، أنه يشارك في هذا التحدي -المؤدي لانكسار الرئيس بري- شقيقه الشيعي الآخر !!
فبعد كل هذا، تجد أنك أمام منهج غريب بل "مريب" للسيد نصر الله وقيادة حزبه . فهو ومن أجل تكريس مصداقية وعوده بحسب الظاهر، تراه يدخلنا في كوارث متتالية، ثم يعود إعلامه الدعائي ليصورها انتصارات كبرى !!

فحرب تموز كادت تنتهي بتغييرات ديمغرافية لا وجود للشيعة بعدها في لبنان . والحرب السورية ستنتهي -عاجلا او آجلا- بعودة السوريين إلى بلدهم، وإحصاء خسائرهم الكبرى، واستعدادهم لجولة أخرى من القتال ولو بعد حين، ليأخذوا ثأرهم من الغرباء الذين يرون أنهم قاتلوهم وقتلوهم في ديارهم وحاولوا فرض حاكم عليهم . فيما يعمل نصر الله وبشكل غير مفهوم للإتيان بمن بيننا وبينه داحس وغبراء لرئاسة الدولة، ضاربا بعرض الحائط رأي أغلبية اللبنانيين ورأي شقيقه الشيعي الأكبر الذي يؤسفني أن يطلق عليه نصر الله لقب "حليف" وليس لقب "شقيق" !!

إنطلاقا من كل ذلك، لا يبقى أمامنا من مجال لحمل سياسة نصر الله إلا على محمل السوء، والذي تشير كل تجاربنا مع سياسته أنه سيوصلنا إليه بخياره هذا . فبعد أن تدرس مختلف النتائج التي نتجت عن إدارة نصر الله لأي ملف، تجد نفسك وكأنك أمام وكيل للسياسة الأمريكية في المنطقة، مهمته نشر أو تضخيم الفوضى التي تريد أمريكا أن تخلق من خلالها ما يناسب خططها ومصالحها التي لا تتحقق إلا بذلك !!
وهذا ما يدفع كل حريص على وطنه لبنان إلى أن يرفع الصوت منبها لخطورة ما يجري وما قد تؤول إليه أمورنا فيما لو استمرينا بالتفرج على ما يقوم به نصر الله وحزبه وعدم التصدي له والمشاركة في تحديد مصيرنا ومصير أبنائنا، وردع كل من تسول له نفسه العبث بمصيرنا ومصيرهم، فهذا ليس حقا لنا، بل هو واجب علينا ﻹنقاذ مجتمعنا من أوهام استبداديين يريدون تحديد مستقبلنا كما حددوا لنا ماضينا وحاضرنا الأليمين . وعلى كل منا أن يعمل لدرء مخاطر هذه السياسات المريبة، بما يستطيع إليه سبيلا !!

وقى الله لبنان وشعبه شرا آخر أراه قد اقترب، وأدعوا كل حريص على لبنان ونفسه وولده أن يخرج من حالة التردد أو السحر أو الخجل التي أوقعتهم بها أساليب السيد نصر الله ومجموعته، وأن لا يسمحوا بتكرار تجارب لم تجر علينا إلا الويل والثبور وعظائم الأمور !!

 

عباس حطيط