بعد أسبوعين ونيف من المفترض أن تفوز هيلاري كلينتون برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، لتستعدّ معها منطقة الشرق الأوسط لمرحلة صعبة وقاسية من المفاوضات والترتيبات وهي التي ضمّت الى صفوف معاونيها خبراء وديبلوماسيين عملوا على الملفات المعقّدة في الشرق الأوسط، بما فيها ملفات الاتفاق النووي مع إيران والمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية.في نهاية الشهر الجاري، من المفترض أيضاً أن ينتخب مجلس النواب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد فراغ دام نحو السنتين والخمسة أشهر، ليلي ذلك تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل أولى حكومات العهد.

صحيح أنّ البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية هدف إلى إعطاء موقف أكثر مرونة من الذي تضمّنه قبل 24 ساعة تصريح وزير الخارجية جون كيري عن وصول عون الى قصر بعبدا، لكنّ ذلك لا يلغي وجود تحفّظ أميركي حيال التسوية الرئاسية في لبنان، ربما لاعتقاد البعض أنّ ذلك قد يؤدي الى زيادة منسوب التعقيدات على الساحة اللبنانية، ولو بنسبة معيّنة نتيجة التحالفات الموجودة بين «حزب الله» وعون.

وبدت باريس متناغمة مع التحفّظ الأميركي ولو أنها وواشنطن تُعوّلان على عودة الحريري الى رئاسة الحكومة. وهو ما يعني أنّ واشنطن لن تعمل على إسقاط وعرقلة خيار عون على رغم أنها قادرة على ذلك لو أرادت.

وفي لبنان، تتصرّف كلّ القوى على أساس ترتيب مرحلة ما بعد انتخاب عون وعلى أساس أنّ ما كتب قد كتب حول جلسة الانتخابات الرئاسية. وخلال الأيام الماضية، أبلغ الحريري عون أنّه وبخلاف ما يُشاع، فإنه واثقٌ من اقتراع نوابه وبالتالي تأمين غالبية مريحة لعون.

وبعدها بأيام معدودة سيدعو رئيس الجمهورية إلى استشارات لتسمية رئيس الحكومة وتكليفه بتشكيل أولى حكومات العهد، والتزاماً بما تعهّد به سيُسمّي «حزب الله» الحريري بعد أن يكون قد شارك في جلسة انتخاب عون.

أما الرئيس نبيه برّي فسيقترع لرئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وهو لن يسمّي الحريري لرئاسة الحكومة. حتى تلك اللحظة ستبدو الأمور وكأنها تسير بالشكل الصحيح، لكن ما إن يبدأ الحريري بمشاوراته كما تقتضي الأصول الدستورية فإنّ المشاكل ستظهر دفعة واحدة، وبدأ ذلك يظهر مع الكلام الذي يدور في الكواليس السياسية.

«حزب الله» سيقول لعون إنه وفى بكلّ التزاماته بدءاً من إيصاله الى قصر بعبدا ومروراً بالموافقة على تسمية الحريري لكنه بعدها سيقترب أكثر من برّي، وعلى أساس أنّ الالتزام بعون رئيساً لا يعني الموافقة على الاتفاقات والتفاهمات الثنائية التي حصلت بمعزل عن «حزب الله».

بالنسبة إلى جلسة الانتخاب، يرتكز عون على كتلة نيابية صلبة بلغت حتى الآن 72 نائباً، تشكل غالبية مريحة له، وذلك في انتظار موقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي يتريّث الى ما بعد زيارة عون واستنفاد الوقت، وما يمكن أن يحمله من مفاجآت، ومن ثمّ المزاوجة ما بين علاقته المتينة مع بري ومصالحه السياسية والانتخابية مع عون والحريري. ولكن لدى تسمية الحريري سيكون وضع جنبلاط أكثر راحة ليبدأ بعدها المشوار الصعب.

خلال اللقاء القصير الذي جمع برّي وعون، حاول الأخير طمأنة رئيس المجلس النيابي من خلال القول له إن لا أحد يريد استهدافه. وفيما أكد برّي في المقابل أنّه ملتزم الاقتراع لفرنجية فإنه أضاف بأنّ تعطيل جلسة الانتخاب في جيبه الكبيرة ولكنه لن يلجأ الى هذا الخيار.
وانتهى اللقاء من دون أن يؤدّي الى تنفيس الاحتقان السائد.

وخلال لقائه بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ليل الجمعة الماضي، استفاض رئيس المجلس النيابي في شرح كامل النقاط والجوانب التي تثيره والمعلومات التي وصلت اليه، وبدا أنه نجح في توحيد نظرته ونظرة «حزب الله» في الموضوع الحكومي.

ويقول أحد المطّلعين عن قرب على موقف برّي إن لا مشكلة لرئيس المجلس النيابي مع الحكومة بل إنّ مشكلته الفعلية هي مع الاتفاق السرّي الذي صيغ بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري وهو يريد نسفه.

أمّا «حزب الله» فسيعارض أيّ اتفاقات حصلت بمعزل عنه وسيطرح اتفاقاً جامعاً يشمل الجميع، وليس اتفاقات ثنائية مبهمة، بما يعني أن تضمّ الحكومة كلّ القوى وعلى أساس أنها حكومة وحدة وطنية.

وقيل إنّ «حزب الله» أبلغ قيادة حركة «امل» أنه سيلتزم موقفاً موحَّداً معها حول الحكومة.

وصحيح أنّ «حزب الله» يضع علامات استفهام كثيرة حول ما دار من تفاهمات بين باسيل ونادر الحريري لكنه إضافة الى ذلك لا يريد أن يصل الى سابقة حول نقضه للثنائية الشيعية، ولم يكن مريحاً ما سُجّل من سجال حاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين أنصار الفريقين.

في كلّ الأحوال، فإنّ أجواء وصلت الى الثنائي الشيعي بأنّ اتفاق باسيل - نادر الحريري لحظ إعطاء حرّية الحركة للرئيس الحريري باختيار جميع الوزراء السنّة إضافة الى وزير مسيحي وأن تكون حقائب الداخلية والأشغال والاتصالات من حصته.

فيما يضع الثنائي الشيعي «فيتو» على إعادة اعطاء وزارة الداخلية الى تيار «المستقبل»، وهو يصرّ على ضمّ قوى سنّية أخرى على أساس الحكومة الجامعة، وإلّا فسيبقى هذا الثنائي خارج الحكومة، مع ما يعني ذلك من نسف مضمون التفاهم الذي حصل بين باسيل والحريري والذي طاول مواقع رفيعة في الدولة اللبنانية على حدّ ما قيل.

أضف الى ذلك، القلق الضمني الذي ينتاب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أيضاً. فسرعة زيارته إلى الرابية والإيجابية المبالغ بها تُخفيان قلقاً لناحيتين: الأولى الحصة الحكومية التي لن تعطيه حقيبة سيادية ما جعل القريبين منه يتحدّثون عن حقيبتي الصحة والتربية. والثانية لشهر العسل الحاصل بين الحريري وعون ما يجعل دور جعجع ثانوياً بالنسبة إلى الحريري.

ومن هنا تصريح جعجع بعودة روح «14 آذار» إثر زيارته «بيت الوسط». لذلك هناك مَن يرى في موقف جعجع دفعاً لتأزيم العلاقة أكثر بين عون و«حزب الله» علّ ذلك يؤدّي إلى خربطة الصورة. والكباش الثاني الذي سيتولّى الثنائي الشيعي تنفيذه ما يتعلق بالانتخابات النيابية.

فمن ضمن ما وصل إلى الثنائي الشيعي عن اتفاق باسيل - نادر الحريري هو التفاهم على تأجيل الانتخابات النيابية سنة إضافية بناءً لطلب الحريري بحجّة عدم التفاهم على قانون جديد للانتخابات، ولكنّ الثنائي الشيعي سيدفع بقوة لعدم التمديد للمجلس النيابي ولو ليوم اضافي أيّاً تكن الأسباب والظروف. وكان معبّراً تصريح وزير المال علي حسن خليل عن حصول الانتخابات في موعدها بعد حصول اللقاء بين برّي ونصرالله.

في المقابل، تبدو حسابات عون مختلفة. فهو يبدو مصمِّماً على إعطاء فترة محدَّدة لولادة الحكومة. فترة لا تتجاوز بضعة أسابيع وإلّا فسيعمد لإعلانها. أما في حال استمرار معارضة برّي وبالتالي عدم قبوله بها، فإنّه سيعمد عندها وبالتفاهم مع الحريري الى تشكيل حكومة مشابهة لتوازنات الحكومة الحالية وإصدارها، على أساس أنها حظيت قبلاً بموافقة جميع الأطراف.

لكنّ هذه الخطوة والتي يبدو الحريري مرتاحاً لها، وهو الذي يعيش شهر عسل مع عون يبدو أنه سيطول، ستفتح أزمة داخلية حادة وستتزامن مع التطوّرات الميدانية الحاصلة في العراق وسوريا والتحضيرات الجارية لفتح ملف المفاوضات والتسويات الإقليمية.

جوني منير