ارتسمت ملامح صورة جديدة للوضع اللبناني بعد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. ولعل حسم الترشيح، أو التعيين، إذا أنجز الإستحقاق في 31 الجاري، جاء من الرئيس سعد الحريري، الذي أغلق كل التكهنات السابقة في ما يتعلق بموقف الطائفة السنية من إسم ميشال عون، ما يطرح أسئلة قلقة عن شكل الحكم المقبل في البلد، إنطلاقاً من موقع رئيس الجمهورية الذي يتقدم في النقاش على غيره من المواضيع، لكن من زاوية لا تقارب الشأن الوطني العام، خصوصاً ما سيكون عليه المستقبل اللبناني.
لعل الصورة التي يرسمها بعض اللبنانيين عن النظام المقبل وموقع الرئاسة، أن ميشال عون، إذا تمكن من الحكم، سيحكم مجموعة تناقضات سياسية وطائفية، وخيارات مختلفة  وحسابات ومصالح، لا يجمعها إلا المشاركة في الحكم، علماً أن البرامج السياسية الواضحة في مقاربة المستقبل اللبناني في منطقة مشتعلة، تغيب لمصلحة سياسات لها أكثر من بعد داخلي واقليمي. فبغياب البرامج السياسية، تضمحل الأحزاب ذات الطابع اللبناني العام، ويتراجع النقاش إلى مستوى القوى التي تخوض غماره، فتقرر في شأنه وتحدد صفاته، وترسم أفكارها وتفسم معالمه، وفقاً لحساباتها.
ويتساءل عدد من الحكماء في النظام، عن واقع الحال اللبناني، بعدما وصلت الأمور الى مرحلة لا يمكن وصفها إلا بالانحدار والتردي، نسبة لواقع قوى الطوائف التي تقود الأيام اللبنانية. فكيف سيحكم ميشال عون، وهو ليس وسطياً بين طرفين تصارعا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وهو لا يشكل حكماً بين اللبنانيين، طالما تصنيفه يدرج في دائرة قوى الممانعة، أو ما اصطلح على تسميته لبنانياً بقوى 8 أذار؟ وهل من حسابات فرضت على قوى 14 أذار ممثلة في شكل رئيسي بـ "القوات اللبنانية" و "تيار المستقبل" تأييده للرئاسة وترشيحه لها؟ وماذا عن موقع الطائفية الشيعية بثنائيتها "حزب الله" و "حركة أمل" في الحكم المقبل؟ فهل تدخل في صراعات كانت نائمة منذ عام 1992؟ وماذا عن مصير اتفاق الطائف أيضاً؟ وما إذا كانت حقوق الطوائف ستبقى مكرّسة ثنائية أو ثلاثية.
ليس في الأفق، ما يشير الى أن العهد الجديد، إذا اكتملت معالمه، سيؤدي الى استقرار في البلد، طالما لم تحسم ملفات عالقة بين الطوائف والقوى السياسية على مقلبي 8 و14 أذار. هناك من يتحدث عن قطب مخفية وسيناريوهات للمرحلة المقبلة، إذ أن دعم الحريري لترشيح ميشال عون، والذي أفصح عنه أخيراً سعد الحريري، يفتح على احتمالات ثنائية سنية مارونية، لكنه أيضاً يطرح علامات استفهام حول موقع الحريري ضمن الطائفة السنية ومرجعيته لها. وفي المقابل، تبدو الطائفة الشيعية الأكثر تأزماً مع رفض الرئيس نبيه بري ترشيح عون للرئاسة، فهل نشهد مستقبلاً، اي بعد انجاز الاستحقاق، انفكاكاً شيعياً، علماًأن الرئيس بري له حيثيته في الحكم والطائفة منذ عام 1992، وهو ينطق بإسم تيار شيعي كبير، له تركيبته في السلطة ولدى القواعد الشعبية، وقادر على أن يؤثر في مسار البلد. لذا لا يمكن أخذ موقفه من زاوية ثانوية أو ضيقة.
يطرح سياسيون ايضاً مصير الطائف، فهل يبقى هذا الاتفاق؟ أم سنشهد تغييرات بنيوية، ستنعكس على الواقع اللبناني ومشهده العام، وعلاقته بالمنطقة. وماذا عن الثنائيات، علماً أن في الداخل المسيحي وتحالفاته، هناك طموحات واعتبارات لفرقاء آخرين، كحزب "القوات". لكن المخاوف تبقى في شكل رئيسي من الفوضى، فإذا كان عون سيحكم بين كل هذه التناقضات وسينطق بإسمها كلها، معنى ذلك أننا سنشهد حالة من الفوضى لم يشهدها الوضع اللبناني والطيان ربما في تاريخه.
وقبل أن ينجلي المشهد الداخلي نهائياً، لتحديد مصير جلسة انتخاب رئاسة الجمهورية، تبدو اللوحة الأهلية العامة التي تحيط بإعادة صناعة الموقع الرئاسي ضبابية. ولكي لا تكون الأوهام هي التي تحكم الوصول الى هذا الموقع، فننتظر حجم الأوزان والتفاعلات التي لا يمكن أن تسير في العملية، إلا بعد ضمان مصالحها. وهذا وحده يطرح علامات الاستفهام حول المرحلة المقبلة واحتمالات الفوضى!