لم يغط دعم الرئيس سعد الحريري ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية التباينات في"تيار المستقبل"، ولا سيما ان وجوها بارزة في هذا الفريق لم تتقبل خيار قائده تسمية عون، وهو لطالما استهدف التيار الازرق بالنقد والاعتراض. وانسحب هذا الاعتراض الى داخل نسيج الطائفة السنية في بيروت والمناطق، على رغم رفع لافتات في العاصمة مؤيدة للحريري كتب عليها "فوضناك". وكان اللافت اعطاء دوائر دار الفتوى تعليمات الى الخطباء وأئمة المساجد في صلاة الجمعة أمس بعدم التطرق الى الاستحقاق الرئاسي والخطوة الاخيرة للحريري لا من قريب ولا من بعيد.
 
وقد يكون الرئيس فؤاد السنيورة من أكثر الاسماء التي عانت بسبب "التيار الوطني الحر" وتحديدا الوزير جبران باسيل، إذ لم يلتقيا في محطات عدة في السياسة والاقتصاد. وليس لهذا السبب وحده ردد من "بيت الوسط" بالذات انه لن ينتخب عون، مع تشديده في الوقت نفسه على البقاء الى جانب الحريري والذود عنه، ولكن ليس في المسلك الرئاسي الذي اتخذه. وينطلق الرجل من موقفه هذا من موقع انسجامه مع اقتناعاته حيال خيار الحريري. وردد أكثر من مرة ولا سيما امام شخصيات راجعته أنه ليس من مصلحة "تيار المستقبل" تأييد عون والاقتراع له والمساهمة في إيصاله الى قصر بعبدا.
وبعدما أطلق السنيورة جملته الساخنة بعيد اعلان الحريري دعم عون، أجرى سلسلة من الاتصالات بعدد من اصدقائه من مختلف الطوائف، وفاتحهم في ما اقدم عليه، مبديا حرصه الدائم على وحدة الطائفة السنية والبقاء الى جانب الحريري. وثمة من ايده في رأيه، الا ان آخرين طلبوا منه المزيد وعدم الاكتفاء بهذا الموقف. وكان ينبغي المحاولة اكثر لثني الحريري عن ترشيح عون، إلا أن سيف القبول به كان أسرع وأمضى من المعترضين على انتخاب عون من بين عدد لا بأس به من نواب الكتلة الزرقاء، وأكثرهم من الشمال. وكانت المفاجأة الكبرى إعلان نائب بيروت عمار حوري أنه لن ينتخب عون، من دون ان ينسحب بالطبع من تحت مظلة الحريري.
ويبدو ان المعارضين لخيار الحريري لمسوا عدم تشجيع السعودية هذه الخطوة. ولم يأت الحريري على ذكرها في خطابه الاخير، على عكس إطلالات سابقة. وفي المعلومات أن شخصية ناشطة على خط الرياض في الاسابيع الاخيرة تلقت جوابا سلبيا من مسؤول كبير في الرياض حيال خطوة الحريري. وأرفق الرد بصورة.
وبالعودة الى السنيورة، فقد ارتفعت أسهم العلاقة بينه وبين الرئيس نبيه بري في ضوء المشهد الأخير، وحذر السنيورة في المجالس من "هدم البلد" وتحوله "عصفورية". ولسان حاله الرافض لعون يلتقي مع الوزير اشرف ريفي، لكنهما يختلفان في الاسلوب حيال الحريري، ولا سيما ان وزير العدل استغل ترشيح عون من "بيت الوسط" وأخذ يعمل على اسقاط مفاعيله في الساحة السنية في طرابلس، وهو سيستقبل بدءا من اليوم وفودا لا تلتقي مع التوجه الى انتخاب عون. ولن يكتفي ريفي بوفود من الشمال، بل سيتم التركيز على وفود من بيروت والبقاع الغربي حيث ارتفعت اسهمه في هذا القضاء. وستتبع هذه الخطوة تحركات أخرى بهدف إيصال رسالة الى الحريري أن فئات واسعة من
السنة لا تؤيد عون، وان من يقترع له من النواب سيحاسبون في صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة. وان التلويح بمحاسبة من لم يلتزم قرار زعيم "المستقبل" سيكلف الحريري نفسه ويخسره من شارعه ورصيده الشعبي.