اعتقد الكثيرون أن الرئيس نبيه برّي سيضطرّ الى إلغاء سفره إلى جنيف لحضور المؤتمر البرلماني الدولي الذي لن يعود منه إلاّ قبل يوم واحد من الجلسة التي حدّدها هو لانتخاب رئيس للجمهوريّة. وسبب اعتقادهم التطوّرات الرئاسيّة التي حصلت في الأيّام الماضية وأبرزها تأييد "تيّار المستقبل" بلسان زعيمه الرئيس سعد الحريري ترشيح زعيم "التيّار الوطني الحر" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة، وإعلان رئيس مجلس النواب وزعيم "حركة أمل" أحد طرفَيْ الثنائيّة الشيعيّة وفي جلسة "تشريع الضرورة" الأخيرة أنه لن ينتخب عون، وأن نوّاب "تكتّلته" سيحضرون جلسة 31 الجاري المُخصّصة للانتخاب كما فعل سابقاً، وتكراره هذا الموقف لعون لدى استقباله إيّاه في قصر عين التينة بعد حصوله على تأييد "المستقبل". والمُلفت كان قصر الزيارة وإعلان كل من الإثنين موقفهما بصراحة. فالأوّل كرّر رفضه التصويت له. والثاني أكّد استعداده للانفتاح على الجميع ورفضه صِيَغ غير ميثاقيّة. ثم كرّر الأوّل تمسّكه بالتحالف مع الثاني في القضايا الاستراتيجيّة خاتماً "أن الاختلاف في السياسة لا يُفسد للودِّ قضيّة".
وسبب الاعتقاد المذكور أعلاه أيضاً هو أن الوضع المشروح أعلاه يقتضي بقاء برّي في لبنان، لأن "حزب الله" حليفه وشريكه كان قرّر عدم التدخّل للتوصّل إلى تفاهمات بين حليفيه اللدودين قبل "ضمان" ترشيح الأخير لـ"الجنرال". لذلك يُفترض أن يُسارع للتحرّك في هذا الاتجاه وخصوصاً بعد رفض برّي الحازم الرامي إلى إقناع الجميع بنهائيّة موقفه.
لكن المعلومات المتوافرة من أكثر من جهة عليمة أكّدت أن رئيس مجلس النواب لن يرجئ سفره إلى جنيف، ليس فقط بسبب الاختلاف حول الرئاسة، بل لأنّه رئيس الاتحاد البرلماني العربي، ولأنّه ساهم في إقناع أعضائه بمواقف يفترض أن تتحوّل قرارات في نهاية اجتماعات المؤتمر البرلماني الدولي، وغيابه يعطِّل ذلك. وأشارت إلى أن غيابه لن يُعطِّل جلسة الانتخاب في 31 الجاري. فهو سيعود في الـ 30 منه، وسيتوجّه في اليوم التالي مع نوّابه إلى المجلس لحضور الجلسة. ولن يُعطي أصوات كتلته لعون. أمّا إذا تعطّلت الجلسة لعدم توافر النصاب فإن المسؤوليّة تكون على غيره. ولذلك لا مُبرّر لقول الذين يعملون لتلافي خلاف طرفي "الثنائيّة" الشيعيّة أن نواب "حزب الله" لن ينزلوا إلى جلسة الانتخاب في غياب برّي ونوّابه. ولذلك أيضاً يستطيع "الحزب" بنوّابه وحلفائه وحتى بأخصامه المؤيّدين لعون مثل "القوّات" و"المستقبل" وغيرهم تأمين النصاب في الجلسة وتأمين انتخاب عون رئيساً بأكثريّة نصف عدد النوّاب زائد واحد في الجلسة الثانية وفقاً للدستور. والاتصالات الهاتفيّة التي يُفترض أن تجري مع برّي من بيروت لن تحلّ الخلاف القائم.
طبعاً كان يعتقد البعض أن إرجاءً لجلسة 31 ت1 سيحصل إفساحاً في المجال أمام تفاهم مع برّي والأطراف الآخرين على القضايا الإشكاليّة الكثيرة الأخرى (غير رئاستي الجمهوريّة والحكومة المضمونتين لعون والحريري). وكان يعتقد البعض الآخر أن الإرجاء قد لا يكون في مصلحة عون إذا فشل "الحزب" في حل القضايا المٌشار إليها. لكن برّي ليس في هذا الوارد. فهو ينتظر انتخاب عون رئيساً وتكليفاً للحريري بتأليف حكومة، والأمران لن يوافق نوّابه عليهما، كي يرى كيف سيتصرّف الأوّل بل الإثنان حيال "السلّة" التي طرحها والتي كان مضمونها أقل صعوبة وعدداً وبكثير من التفاهمات التي ينوي "حزب الله" التوصّل إليها قبل تأليف الحكومة، والتي كان سابقاً يتمنّى التوصّل إليها مثل إنهاء الشغور الرئاسي. فإذا غابت التفاهمات سيتعذّر تأليف الحكومة وسيكون في البلاد رئيس جمهوريّة ورئيس حكومة مُكلّف وحكومة مُستقيلة تُصرِّف الأعمال ومجلس شبه مُعطّل. طبعاً لا يعني ذلك أن باب التفاهم على القضايا الإشكاليّة سيكون مقفلاً خلال غياب برّي عن لبنان، رغم التمسُّك برفض رئاسة عون وتكليف الحريري وفقاً للدستور، لكن هذه مهمّة "حزب الله" والأطراف الآخرين. وهذا الأمر يجعل من الأيّام العشرة الأخيرة من الشهر الجاري مهمّة جدّاً بل فاصلة، علماً أن مُتابعي "حزب الله" وحركته السياسيّة أنفسهم يعتقدون أنه لا يقبل أو لا يتحمّل البقاء بلا حكومة أشهراً أو سنة أو أكثر. ذلك أن البلاد خربانة والمنطقة مُشتعلة، وهذا أمر على حلفائه المسيحيّين أن يفهموه ويتفهّموه وكذلك أخصامه أو أعداؤه.
ماذا يحصل إذا أُرجئت جلسة 31 ت1 وإذا عادت حظوظ رئاسة عون إلى التقلّص؟