«معظم الجلسات رايحا للتأجيل». هذه العبارة كانت الأكثر تداولاً منذ الصباح الباكر بين الصحافيين والمحامين في أروقة المحكمة العسكرية أمس، إلّا أنّ انتظارهم لم يخلُ من الترقّب، ولا سيّما أنّ أسماء «كبيرة» متورّطة ستَمثل للمرّة الأولى أمام الرئيس الجديد العميد حسين عبدالله، منها الشيخ أحمد الأسير وخالد مصطفى محمّد، الملقّب بـ"خالد حبلص" إمام مسجد هارون في بحنين.قرابة الحادية عشرة والنصف افتتح رئيس المحكمة العميد حسين عبدالله الجلسات، يعاونه القاضي المدني محمد درباس، ومفوّض الحكومة القاضي هاني حلمي الحجّار.

كانت الجلسة الأولى مخصّصة لملفّ أحداث عبرا واستجواب الأسير، فناداه عبدالله. إقترب الأسير من قوس المحكمة، وهو يَشبك أصابع يديه، مرتدياً عباءة باللون الأبيض الترابي، ومعتمراً قلنسوة بيضاء، وعلى وجهه نظّاراته الطبّية السوداء، وقد استعادت لحيته الطويلة مظهرَها التدريجي، مع مزيد من الشيب.

بدا الأسير في حال صحّية جيّدة، قليل الكلام، كثير النظرات، بهدوء إقتربَ يجيب عن سؤال رئيس المحكمة: «الأساتذة وين؟»، بإشارة منه إلى وكلاء الدفاع الثلاثة، المحامين محمّد صبلوح وعبد البديع العاكوم وأنطوان نعمة، «آخدين قرار بعدم الحضور».

ثمّ لاذ بالصمت قبل أن يتابع عبدالله سؤاله: «في سبب معيّن غابوا؟» ردّ الأسير: «ريثما يتمّ البتّ بالإخبار الجديد الذي قدّموه». فسأل الحجّار: «مين بدّو يبتّ فيه؟». ردّ الأسير: «الجهة المعنية».

فقال عبدالله: «سيتمّ الاطّلاع على الإخبار للاستئناس فيه بسياق المحاكمة، خلال الجلسات سيتمّ البحث في المعلومات المتوافرة». فردّ الأسير: «في أشخاص، في ناس محدّدين أدلوا بشهاداتهم، يجب الادّعاء عليهم، ولم يتمّ ذلك حتى الآن».

نقمة على «الأسير»

تدريجاً بدأت ترتفع نقمة الموقوفين الذين طفحَ كيلهم من «نغمة» المماطلة والتأجيل المتعمّد من وكلاء دفاع الأسير، وسرعان ما علت صرخة أحدِهم من خلف القضبان: «سيدنا بدّي أعرف عَـ شو موقّفيني؟

فأومأ عبدالله لأحد الشرطيين بالسماح له بتركِ القفص والتوجّه إلى المذياع أمام هيئة المحكمة، قائلاً له: «طلاع بدّي إسمعَك». فعرّف الموقوف عن نفسه أنّه ربيع محمد الناكوزي، وقال بنبرة غاضبة: «ليش بدّي ضلّني موقوف إسأل الطيّار خليل إبراهيم صَرلي 3 سنوات محبوس.

أنا وبالحبس خسرت أبي وابنتي مِش حابب إخسر حدا أنا ومحبوس». وأضاف: «معي ورقة إنّو مهدّد الأسير وجماعتو، رفعوا شكوى ضدّي بيتهموني إنّي مهدّدن، كيف مهدّدو؟ وكيف متّهَم إنّي قاتلت ضدّو!». وتمنّى إخلاء سبيله أو محاكمته فوراً.

حاولَ عبدالله أن يهدّئ من روع ربيع، قائلاً: «صِرنا ع آخر، بعد في بَس الأسير». فردّ ربيع: «أتمنّى فصلَ الشيخ إذا محاميه مِش جايين». طلبٌ لاقى استحسانَ معظم المدّعى عليهم، وروى غليلَ بعض المحامين الذين طفحَ كيلهم أيضاً من تأخير إتمام العدالة. حيال النقمة العارمة، أرجَأ عبدالله الجلسة بسبب تغيّب وكلاء الدفاع عن الأسير وعدم سَوق 3 من المساجين إلى 8/11/2016.

حبلص والمجموعة

في ملفّ أحداث بحنين، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين مجموعة خالد حبلص والجيش قرب مسجد هارون، بين 25 و26 تشرين الثاني 2014 إستجوب عبدالله مجموعة من الموقوفين، أبرزُهم خالد حبلص، الذي اعتبر «أنّ ملف بحنين مرتبط بأكثر من ملف، ولم تأتِ أحداثه بطريقة مباشرة، إرتجالية»، وقد توقّف عند الخطبة التي سَبقت الاحداث وكان قد حذّرَ فيها من «ثورة سنّية لتحسين الظروف إذا بقيَ الوضع على حاله، من تجاوزات، مداهمات، تصفيات على الحواجز». فقاطعَه عبدالله: «ترَكتك تحكي مِش يعني تكِبّ إتّهامات، معترضاً على كلمة تصفيات».

فأكملَ حبلص: «كسُنّة نريد العيش مثلَ غيرنا بالبلد، لا مشكلة لدينا مع الجيش اللبناني». فردّ عبدالله: «مَن أعطاك الوكالة لتتحدّث باسم السنّة؟ «، فردّ حبلص: «أحياناً تبدأ الثورة من طفل، من شخص حرقَ نفسَه، من أيّ شيء». وأضاف: «دعيتُ إلى قطع الطرقات تزامناً مع إقفال الأسواق في طرابلس، وقطعنا طرقات بعيداً من حواجز الجيش، ولم أدعُ إلى حمل السلاح».

واستشهد حبلص مراراً بعلاقته الجيّدة مع الأجهزة الأمنية والسياسيين، «وحيال أحداث بحنين حاولتُ الاتّصال مع السياسيين والعلماء لتهدئة الأوضاع، وعلمتُ أنّهم مجتمعون في منزل الوزير أشرف ريفي لضبط الأجواء».

ونكرَ حبلص معرفتَه الجهة التي أطلقت النار على دورية للجيش، «لم أكن في مكان الحادث، ولا أريد أن أتّهم أحداً». فسأله القاضي: «مجموعة منتشرة كانت تحمل السلاح، مَن وزّعه عليها؟ فردّ حبلص: «كان في كتير ناس من خارج المنطقة، أغراب... يستغلّون أيّ ظرف لإحداث الفتنة».

وسأله عبدالله من هو توفيق عكوش؟ فردّ: «إبن المنطقة، ينظّم السيارات أمام المسجد بعد تفجير مسجدي التقوى والسلام». وعلاء طيبة؟ فردّ: «مِن عامة الناس في المنطقة».

فاستدعى عبدالله طيبة، ليخبر «أنّه كان في صالون للحلاقة خلال الأحداث، وعندما خرج صادفَ عسكراً يطلبون المساعدة»، فسأله عبدالله عن سبب طلبِهم المساعدة، فردّ طيبة: «لا أعرف، كانوا واقفين هونيك». فقاطعَه عبدالله: «سبقَ وقلتَ إنّك وعكوش خطفتما عسكريين». فردّ طيبة: «لا عِلم لي بذلك».

القنبلة...

وسأل عبدالله حبلص عن قصّة خطف العسكريين، فأوضَح: «ما حدا خطَف حدا، وينُن يِجو يخَبرونا». فسأله: «إذاً ما سبب إطلاق النار». حاول وكيل الدفاع التدخّل والتوضيح أنّ السبب في إطلاق النار يعود إلى مناسبة تشييع العتري».

ثمّ سألَ القاضي الحجار حبلص: «إذا قلت ما تشتبكوا يعني عارف في مسلحين، وطلبت منهم الانسحاب يعني بيسمَعو منّك». فأوضَح حبلص: «بعض شباب الجامع يرافقونني، هم يبقون في باحة المسجد باستمرار». وأضاف: «ما قلته سبقَ لهيئة علماء المسلمين أن قالته في خطاباتها، والسياسيون أيضاً منذ سنوات، وخطبتي لم تحمل أيّ تكفير ضد الجيش».

وسأله عن التمويل والتدريب، فلفتَ حبلص إلى أنّه «ارتكزَ على تمويل فرديّ بالإضافة إلى تمويل جزئي من الأسير لا يتجاوز الـ 100 ألف دولار لتوفير حاجيات من الأغراض والسلاح، بهدف حماية أنفسِنا»، ناكراً أن يكون أحد تولّى التدريب، وأنكر كذلك أيّ انتماء له إلى «داعش» أو «جبهة النصرة» أو مبايعة البغدادي. وردّاً على أحد أسئلة وكيل الدفاع المحامي حسين موسى: مَن طلبَ منكَ استضافة الأسير ؟ ردّ حبلص: «بطلبٍ مِن هيئة علماء المسلمين».

بعدها أرجَأ عبدالله الجلسة إلى 13/12/2016.

محكمة التمييز... الطراس

في موازاة ذلك، بعدما استأنفَ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر قرارَ تركِ الشيخ بسام الطرّاس، أصدرَت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طاني لطوف قرابة الساعة الثالثة والربع بعد ظهر أمس مذكّرةً وجاهية بتوقيفه، وأحالت الملفّ إلى قاضي التحقيق الأوّل رياض أبو غيدا لمتابعته.

وفي هذا السياق، أوضَح مصدر مطّلع لـ«الجمهورية»: «بعد مراجعة محكمة للتحقيقات وجدت أنّه لا يمكن ترك الطرّاس بسَند إقامة من الجلسة الأولى، فالملفّ ليس فارغاً، لا بدّ من استكمال التحقيقات».

ولفتَ المصدر إلى أنّ «القاضي رياض أبو غيدا استمعَ إلى الطرّاس وتركه بسَند إقامة، من دون اتّخاذ أيّ إجراء آخر. من المفترض تحديد جلسة أخرى لاستكمال التحقيق أو للاستماع لشهود، أو القول انتهى التحقيق، وإحالة الملف لمفوض الحكومة للمطالعة، ومن ثمّ يصدر قرار الظن، هذه الأصول».

وأضاف: «إلّا أنّ الملف لم يشهد سوى قرار تركٍ فقط لا غير، ولكن نظراً إلى أنّ محكمة التمييز ملزَمة بمهلة قانونية محدّدة، 24 ساعة لاتّخاذ الموقف، تقرّر إبقاء الطرّاس موقوفاً في ضوء التحقيقات الأوّلية، فالوضع لا يحتمل».


ناتالي إقليموس | الجمهورية