ما أن رفعت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أول من امس، حتى بدأ الحديث عما ستنتهي اليه الجلسة المقبلة التي حدد الرئيس نبيه بري موعدها في 31 تشرين الاول. وعلى عكس القائلين ان الفترة الزمنية الفاصلة طويلة، ثمة من لا يرى في الاسابيع الاربعة المقبلة، إلا أنها تصب في مصلحة الرابية، إفساحا في المجال لمزيد من المشاورات التي بدأها الرئيس سعد الحريري.
ويبدو أن الأيام الفاصلة عن الجلسة الـ46 ستحمل مرحلة سياسية جديدة في مسلسل الفراغ الرئاسي، ومجموعة من المحطات والوقائع السياسية الحاسمة، تقرر ما اذا كانت ستفضي الى انتخاب رئيس للبلاد والانتهاء من مرحلة الفراغ المفتوح على قاعدة لبننة الاستحقاق، اذا استطاع الافرقاء المحليون الى ذلك سبيلاً، وتوصلوا الى خريطة سياسية تكون رافعة للعهد الجديد.
يمكن بلوغ هذا المخرج اذا نجحت الاتصالات وادت الى انتخاب الرئيس، وإلا سيكون البديل افشال المحاولات الحقيقية التي ظهرت في موقف الحريري، وسيدخل المشهد عندها في صراع جديد قد يحمل جملة من الاخطار على البلد.
وفي غضون تسارع التطورات والمواقف، وخصوصا من طرف الحريري، لا يشكك العونيون في نيات الرجل، ويمنون النفس بأن يستمر في محاولاته التي ستتضح حصيلتها قريبا، علما أن هدفه ليس التكتيك ولا طاقة عنده على المناورة جراء ازماته الداخلية في تياره، اضافة الى مشكلاته المالية، وهو غير قادر على تحمل نكبات سياسية أخرى. ولذلك يعمل على اطلاق مبادرة جدية اطلع على تفاصيلها الرئيس نبيه بري مساء امس. وقبل ساعة من موعد جلستهما، سئل بري عن الموعد فرد: "بالطبع سألتقيه ونتشاور". وقد تحولت السلة القائمة على بنود الحوار، نشيدا يوميا في عين التينة. ولا يعير بري اي اهتمام للكلام عن أنه وراء "فركشة" انتخاب عون في جلسة اول من امس.
الجميع في انتظار الموقف غير المعلن بعد للحريري، فهو لم يحسم خياره تأييد عون، على الرغم من كل ما سترتبه هذه الخطوة على جسم "تيار المستقبل" العليل، ولا سيما ان نوابا وكوادر في الفريق الازرق لا يستطيعون فهم ما يقدم عليه زعيمه، الى درجة دفعت شخصية مقربة من "بيت الوسط" الى مصارحة شخصية من الحرس القديم في 14 آذار بالقول: "لم نعد نفهم سعد على الرغم من كل محبتنا له ووقوفنا الى جانبه". ولا يزال الضائعون في التيار الازرق يتفحصون خيار الحريري وما اذا كان سيسير بعون جديا، ام انه سيقول له بعد الانتهاء من جولاته انه لم ينجح في تسويقه وإقناع عدد لا بأس به من اعضاء كتلته، بدءا بالرئيس فؤاد السنيورة وليس انتهاء بالنائبين احمد فتفت ومعين المرعبي، وعندها سيقول لعون انه ادى الواجب المطلوب حياله، وسيردد الجملة التي يرفض الجنرال سماعها: "لنتشاور على اسم ثالث". وهذا معناه تخليه عن ترشيح النائب سليمان فرنجية.
وفي المقابل، ثمة من يعتقد ان الحريري جاد في اتمام طبخة الرئاسة وانه يعمل في الوقت نفسه على معالجة ازماته من باب وجوده في السرايا وليس من منطق خبثاء يرددون انه من خلال هذا المنصب سيعالج أزمته المالية، انما المهم هو اطلالته على المشهدين المحلي والخارجي من موقع رئيس الحكومة، وسيشعر بهذا الامر لحظة تكليفه وتوقيع مراسيم الحكومة.
يبقى أن الحريري لم يستطع إقناع عدد لا بأس به من النواب المسيحيين في كتلته، اضافة الى وجوه بارزة في 14 آذار تحذر "بيت الوسط" ليل نهار من خطوة الاستدارة نحو الرابية وسيدها الذي "لا يؤمن له" في السياسة، وان تجاربه أكثر من أن تحصى. ويكفي انه عمل على محاربة سوريا اعواما عدة، ثم عاد الى الارتماء في احضانها، ووقف في وجه "حزب الله" ثم وقع تفاهماً معه، ولا داعي لذكر تخليه عن 14 آذار ولجوئه الى معسكر 8 آذار.
وثمة من ينقل عن جنبلاط تحذيره للحريري: "ما تروّح حالك ولا تذهب بخيار عون".
ويعول أشدّ المعارضين لوصول عون الى قصر بعبدا، ليس على الحريري فحسب، على الرغم من اهمية حضور كتلته النيابية وزعامته السنية، بل على اثنين لم يبق سواهما في تشكيلة المحترفين السياسيين في البلد - على قول خبير عتيق ومحلف في استحقاقات الرئاسة - هما: نبيه بري ووليد جنبلاط.