يبدو ،والله أعلم، أنّ الرئيس سعد الحريري قد حسم أمره بانتخاب الجنرال عون لرئاسة الجمهورية، وما المشاورات إلاّ مُمهدات لامتصاص الاعتراضات، ورفع الاحتجاجات التي رافقت ترشيح الحريري للوزير فرنجية والتي تركّزت على عدم التشاور، أمّا دلالات حزم الحريري أمره اتجاه تبني ترشيح عون، فقد ظهرت إشارات واضحة الدلالة على ذلك بالسعي لإجراء مشاورات واسعة (قد تشمل عون)، وعندما يتراجع خيار فرنجية لدى الحريري، فهل يبقى غير خيار عون؟

حيث لا يبقى في الميدان إلاّ حديدان، وإشارة أخرى ظهرت أكثر دلالة عندما رشح عنه ضرورة حسم مسألة الشغور الرئاسي، والطلب من فرنجية "زحزحة" حزب الله عن موقفه المؤيد لعون، وهذا أقرب المستحيلات، فيكون الحريري قد غسل يديه من تبعات ترشيح فرنجية، أمّا الأصوات المعترضة على عون داخل تيار المستقبل، فيمكن تطويعها واستمالتها بالمشاورات والضغوط والوعود والمغريات، وضرورة أخذ ظروف رئيس التيار المالية بالحسبان، وهذه مع غيرها من المعطيات التي يملكها الحريري وحده، قد تصلح كمُسهّلات لعملية الإعلان الصارخ بتبني الجنرال للرئاسة كخيارٍ وحيد وأخير، أضف إلى هذه الدلالات انقطاع المشاورات الحريرية - السعودية في هذا الموضوع اللبناني الحسّاس ،في حين ينشط الوزير أبو فاعور لاستطلاع رأي المملكة في هذا الاستحقاق الهام.

مهما يكن، فإنّ ما كُتب قد كُتب، والحريري من جديد وجهاً لوجه أمام تجرُّع الكأس المرّة باعتماد عون للرئاسة، وقد اعتاد على ذلك، في المرة الأولى عندما زار دمشق والتقى (بقاتل والده المفترض)، والثانية عندما سُحب البساط من تحت حكومته "الميثاقية" عام ٢٠١١، وقطع له العماد عون تذكرة سفر (وان واي) أي روحة بلا رجعة، واليوم يعود لانتخاب ألدّ أعداء التيار الأزرق، عملاً بقولٍ مأثور: رُبّ ضارّةٍ نافعة.