بعد مرور أكثر من ربع قرن على قضية سلمان رشدي يبدو أن الذاكرة التاريخية للبعض ضعيفة جداً حيث يتعمد للرؤية بعين واحدة وتجاهل السياقات التي أدّت إلى إصدار الفتوى من قبل الإمام الخميني بحق الكاتب الروائي سلمان رشدي. هذا البعض يتعمد في استغلال أي حدث سيئ لتحميل مسؤوليته على الإمام الخميني بطريقة كاريكاتيرية. حدث هذا بعد أن قُتل الباحث والمفكر الأردني ناهض حتر بيد سلفي سنيّ بسبب إعادة نشره رسماً ساخراً يسيئ إلى الذات الالهية بالرغم من أنه عاد واعتذر وأوضح بأنه لم يكن يوافق على مضمون الرسم. هل يمكن اعتبار ناهض حتر مرتداً بسبب نقله لهذا الرسم؟ هل ناقل الكفر يُعتبر كافراً ولو لم یکن موافقاٌ مع ما ینقل من مضامین الکفر؟ لا شك في أن الجواب هو النفي. نعود إلى السياقات والأجواء السائدة على الفترة التي تم إصدار الفتوى بحق سلمان رشدي من قبل الإمام الخميني. تم إصدار الكتاب في 27 من شهر أب 1988 وفور الإصدار أثار سخط مسلمي الهند، كون الرجل منتمي إلى جذور هندية وخرج المحتجون المسلمون الهنود إلى الشوارع منددين بالمؤلف، ومما تداعت في المملكة السعودية وأصدر علماء المملكة فتاوى بقتل سلمان رشدي، بعدما نجحت جماعة "جنت" المسلمة الهندية في 26 أيلول 1988، أي بعد 9 أيام من إصدار الكتاب، في فرض مطلبها على الحكومة بحظر توزيع هذا الكتاب في الهند.
وبادر العلماء السعوديون الى المطالبة بمحاكمة رشدي بتهمة الإساءة لنبي الإسلام. واجتاحت الإحتجاجات شوارع البلدان الإسلامية في شباط 1988، وقتل عدد من المتظاهرين في باكستان ووصلت إلى مدينة قم الإيرانية، حيث جاب علماء الشيعة وطلابهم الشوارع مندّدين بإصدار هذه الرواية، ومعتبرين أنها حلقة من حلقات التآمر الغربي على الإسلام برمّته، بعد إخفاق الغرب في هزيمة إيران عبر حرب شنها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
وأصبح سلمان رشدي موضوعاً للتنافس الإيراني- السعودي، ربما لإثبات أو تثبيت الدور القيادي للعالم الإسلامي. وربح الخميني هذه المعركة بإصداره حكم الإعدام بحق مؤلف الآيات الشيطانية في 14 شباط 1988.
وبالرغم من أن رشدي جدد إيمانه بالإسلام في نهاية عام 1990، إلا أن الخميني كان حسم أمره قبل أن يقضي في 1989 بأن حكم الإعدام الصادر بحق سلمان رشدي ليس قابلاً لإعادة النظر، ومرور الزمن لن يعدّل فيه.
جاء تأكيد الخميني على عدم إمكانية التراجع عن الحكم ردّاً على ما نقل حينئذ عن الرئيس الإيراني وقتذاك، علي خامنئي الذي اعتبر أن طريق التوبة مفتوح أمام رشدي. وأكد الخميني أن من يشكّ في هذا الحكم يجهل ضروريات الإسلام.
وما أبداه خامنئي من الرأي كان أخفّ من رأي المرجع آية الله الخوئي المقيم في النجف، الذي أعلن أن تنفيذ الأحكام الشرعية حكر على أهل الإسلام، وبما أن رشدي يحمل جنسية بريطانية، لا تنفّذ العقوبات الشرعية بحقه.
وبين زمن إصدار ذلك الحكم وبين الآن ربع قرن، شهد فيه الفقه الشيعي تبدلات كثيرة، ومنها حكم الإرتداد. فضلاً عن تفهّم عدد من المراجع الدينيين أن موضوع رواية الآيات الشيطانية ليس إساءة مباشرة تستحق إصدار حكم الإعدام، بل إنها لغة خيالية لا تدّعي محاكاة الواقع وفق عقيدة الكاتب. ". إن الذين ينبشون الماضي من أجل تبرير اغتيال المفكر الاردني ناهض حتر، ينبغي عليهم نبش الماضي حقيقياً ولا انتقائياً، رغم أنني ارى بأنه لا صلة بين موضوع سلمان رشدي وموضوع ناهض حتر.