تمهيد: 
لا بدّ أن نسجّل أولاً الإدانة الكاملة لجريمة اغتيال الصحافي ناهض حتّر، ذلك أن التعرّض بالتصفية الجسدية لمعتنقي الفكر والعقيدة والمبدأ، أيّاً كان ذلك المبدأ، هو جريمة موصوفة، ولولا ذلك لما كان سقراط اليوناني أبو الشهداء، شهداء الفكر، ولما كُنّا حتى اليوم نُمجّد ذكرى الحلاج والسهروردي، وقبل ذلك كان الأمويون قد قتلوا قافلة من أصحاب الفكر والعقيدة بتهمة القول بالقدر، بدءاً من معبد الجهني حتى الجعد بن درهم، والجعد هذا كانت تهمته الدعوة لتاويل الآيات القرآن، وعدم الأخذ بظاهرها، فأمر الخليفة هشام بن عبد الملك بقتله، فجاء به خالد بن عبدالله القسري صبيحة أضحى وربطه أسفل المنبر، وصلّى صلاة العيد، وخطب وقال في آخر خطبته: انصرفوا وضحّوا بضحاياكم، تقبّل الله منّا ومنكم، فإني أريد أن أضحي اليوم بالجعد بن درهم فإنه يقول: وما كلّم الله موسى تكليماً ولا اتّخذ إبراهيم خليلاً، ثم نزل وحزّ رأسه بالسكين في أصل المنبر. ولما كُنّا اليوم نذكر بفخر واعتزاز شهداء الفكر والعقيدة حسين مروة ومهدي عامل، وشهيد الريشة الحرة ناجي العلي، والقلم الحر سمير قصير، وصاحب الحنجرة الصادحة بالحرية إبراهيم قاشوش، قافلة طويلة لا يمكن إحصاءها فضلا عن تعدادها، وما زال الأحرار يستنكرون أشدّ الاستنكار الاغتيال السياسي بدءاًمن الشهيد رفيق الحريري حتى آخر القافلة محمد شطح، ولئلاّ نطيل لا يمكن إلاّ أن نعدّ حتر من شهداء الفكر والمعتقد ، بصرف النظر عن موافقتنا أو إدانتنا لمواقفه السياسية المعادية للثورة السورية، وانحيازه للديكتاتورية والظلم وقتل الأبرياء في سوريا.
مقتل حتر وفتوى الإمام الخميني..
إذا كان حتر قد خضع للمحاكمة وقُتل بعد ذلك بتهمة التعرّض للذات الإلهية، فيكون قد قُتل بفتوى الخميني الذي أفتى بقتل سلمان رشدي بتهمة لا ترقى لتهمة حتر، ذلك أنّ رشدي اتهم بالإساءة والسخرية من النبي محمد، في رواية "آيات شيطانية" الخيالية، فعندما تناهى إلى مسامع الإمام أنّ مسلماً هندياً وبريطانياً يسمى سلمان رشدي، كتب رواية تتضمن الهزء بالمحرمات والمقدسات الإسلامية حتى أذاع في اليوم الرابع عشر من شباط ١٩٨٩ فتوى تهدر دم المسلم الهندي، مع وعدٍ بجائزة سنيّة تُصرف من بيت مال المسلمين (الإيراني)، وآذنت هذه الفتوى بردود فعلٍ غاضبة في العالم الغربي حيث انطلقت حملات تضامن مع الكاتب الذي توارى عن الأنظار، أمّا في العالم الإسلامي فقد تلاطمت حملات التضامن مع حملات الاستنكار والإدانة للكاتب "الزنديق المرتد"، وكان لافتاً موقف أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة السوربون الفرنسية، والذي يصحّ اعتماده اليوم في قضية حتر، فما هو موقف أركون من رشدي تلك الأيام.
ثا نياً:أركون ورشدي وحتر...
تعاطف أركون مع رشدي شخصياً وعاطفياً، ولم يوافق طبعاً على فتوى الخميني بالتصفية الجسدية، إلاّ أنّه رفض دعم رشدي دعماً أهوجاً، تحت عناوين حرية الفكر وحرية الكاتب في تناول ما يحلو له تناوله تحت شعار حرية الفكر والمعتقد، فكتب في جريدة "اللموند" بتاريخ ١٥ آذار ١٩٨٩ يقول: أرفض تلك الفكرة المسبقة، السهلة والاختزالية التي تقول: يحقّ لكل كاتب أن يكتب ما يشاء، وعندما تعرّض أركون لمحنة شبيهة بمحنة رشدي، لكن من المتعاطفين مع رشدي، وإذ لم يُفهم كلامه فهما صائباً، صُنّف في خانة التيار المتزمت، وأصبح أركون أصولياً متطرفا، ممّا اضطره إلى توضيح موقفه يتساءل في هذه المقابلة: "ماذا فعل سلمان رشدي بالضبط؟ لقد زعزع الرمزانيّة الدينية التي يتعلّق بها ملايين المسلمين الفقراء المهمّشين والمسحوقين من قبل تاريخ أعمى لا يرحم، حتى ولو كان فعل ذلك في عمل من الخيال الفني أو الأدب الروائي". 
وموقفنا اليوم من حتر، يجب أن يتماهى مع موقف أركون من رشدي، فقد تعرّض حتر للرمزانية الدينية لملايين المسلمين وغير المسلمين، وهو لم يُقتل لدعمه بشار الأسد، فهذه مسألة ثانوية، لا ينتطح فيها عنزان، كما يقول قومنا العرب، لقد قُتل حتر بفتوى الإمام الراحل، ولو أنّه على قيد الحياة اليوم، لتوجّه قاتل حتر اليوم وجهة طهران لقبض جائزته "السنية" ومن بيت مال المسلمين.