ما زال رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ينتظر رفض الرئيس سعد الحريري أو موافقته على انتخابه رئيساً للجمهورية لكي يبني على الشيء مقتضاه.

أما «القوات اللبنانية» فهي تحاول توجيه أنظار عون الى «حزب الله» الذي لم تصدر عنه أكثر من عواصف رعدية مؤيّدة لانتخابه، من دون أن يساعد في تهيئة انعقاد جلسة الانتخاب، وبذلك يترك العماد عون وحيداً، إلّا مِن وعد بالمشاركة القواتية في تظاهراته، إذا لم يضع الرئيس نبيه برّي بند قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة المقبلة.

ما يرشح من معلومات لا يعطي املاً بأن يعطي الرئيس الحريري الموافقة على انتخاب عون، وبالتالي بات الطريق مفتوحاً للشارع، الذي سيحاول عون عبره جرّ الجميع، الى ما أبعد من مجرد انتخاب رئيس للجمهورية، وهي خطوة ينتظرها أكثر من طرف وأوّلهم «حزب الله» الذي استعمل الفراغ، لإضفاء المزيد من الضعف على دستور «الطائف» وتوازناته.

في الحسابات القواتية، أنّ عون لن يستطيع الصمت كثيراً على خذلان «حزب الله» له، وأنّ هذا الصمت بات ثمنه خسارة الرئاسة، والحضور، خصوصاً، بعدما نال عون موافقة «القوات اللبنانية» على ترشيحه، وهي موافقة تشكل في نظر الطرفين المسيحيَّين فرصة ثمينة، لاستعادة التوازن، وتشكيل قوة مسيحية أحادية تقاسم القيادات السنّية والشيعية، النفوذ على قاعدة تطويب الحصة المسيحية في النظام كحق بديهي لها، وفي حال عدم تمكن «القوات» والعونيين من تكريس هذه المعادلة، فإنّ آخر أحلام استعادة الدور والحضور تكون قد سقطت بشكلٍ مدوٍّ، وهذا سيفتح الباب أمام المزيد من الأخطار الكيانية، التي سيترجمها انسحاب المسيحيين المتدرّج أو السريع من الشراكة الوطنية، هذا مع العلم بأن لا ضامن إقليمياً لهذا التوجّه، إلّا اللاعب الإيراني الذي يطرح نفسه عبر «حزب الله»، حامياً للأقليات وحقوقهم وحضورهم.

تبدو «القوات اللبنانية» كأنها تسير خلف عون في معركته الميثاقية، لكنّ الواقع يقول إنّ «القوات» تنتهج للمرة الأولى في تاريخها الأسلوب الجنبلاطي، فهي في آن احتفظت بالعلاقة القوية مع الحريري، ومع السعودية، وتحالفت مع عون المتحالف مع «حزب الله»، وفي الواقع العملي ستشارك «القوات» مع «التيار الوطني الحر» في أيّ تحرك شعبي لإقرار قانون انتخاب جديد، لكنها لا تجاريه الرأي في شلّ الحكومة، ورفض التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي.

تطمح «القوات» في كلّ ذلك الى أن تكون القوة المسيحية الأكثر قوة، سواءٌ انتخب عون أم لن يُنتخب. ففي الحالة الأولى سيكون الدكتور سمير جعجع المعبر الاجباري للرئاسة، وسيفرض عرف انتخاب الاقوى مسيحياً، وسيحجز موقعه في أيّ انتخابات رئاسية ونيابية جديدة، وفي الاحتمال الثاني، يكون جعجع قد ربح مصالحة مسيحية تؤهّله لأن يكون الزعيم المسيحي الأوّل، في مرحلة ما بعد عون، سواءٌ أصبح رئيساً أم لم يصبح.

لكن يبقى السؤال: ما هي مخاطر هذه السياسة الجديدة، وهل تحمل في طياتها تكراراً لمرحلة العام 1988، التي جرّ فيها عون «القوات» الى حربين، أدّتا الى توقيع «اتفاق الطائف»، والى المنفى والسجن والإحباط؟ الجواب على ذلك سيكون رهن المرحلة المقبلة، فما يبدو الى الآن يدلّ على أنّ عون كسب شرعية مسيحية بغطاء «القوات اللبنانية»، لما سيقوم به بغض النظر عما إذا كانت «القوات» ستشارك أم لا في تظاهراته الشعبية. هذه الشرعية ستكون بتصرّف الوريث السياسي لعون، الذي قطع في المرحلة الاخيرة ما تبقى من جسور العيش المشترك، ما يمكن أن يؤدي سريعاً الى سيناريو مشابه لما حصل في العام 1988، حيث أدّت سياسة عون الى إفقاد المسيحيين الكثير، فيما يحاول اليوم أن يستعيد القليل من ذاك الكثير.