أصبحت قراءة العزاء مهنة يندفع لها الكثيرون من الباحثين عن الرزق الوفير في عشرة أيام أتسعت لأربعين يوماً وما يزيد عن السنة بكامل فصولها بعد أن أمسى الناس سواداً لا في الخلقة ولكن في التجربة الشيعية المنكبة على البكاء لتحصيل الأجر من الشفيع الذي اصطفاه الله سيداً للجنة .

هبّات المجالس الحسينية في زحمة الشعور المذهبي تضفي على المناسبة الحزينة حُزناً آخر تتفرع منه أحزان جديدة تبكي على ما فاتها من بؤس كونها تُجيد العزف على نغمة الفجيعة التي حاصرتنا منذ الولادة وما زالت تفرض علينا الالتزام بدعوات الموت لتصحيح الخلل الذي أصاب التاريخ الاسلامي وحرم العالم من نعم الله لو استقامت أحوال الأمّة على مشيئة الولاية .

هم مطربون تتفاوت مستويات الصوت والقاسم المشترك بينهم جهل مقيم في القلب لا في الحنجرة ومع ذلك يُدفعُ لجهلهم أموالاً طائلة وخاصة للوافدين من العراق النجفي ومن اللبنانيين الذين امتلكوا الحرفة وحفظوا الشعر وأبكوا الناس وألقوا عليهم سواد المصيبة فتباكى الكثيرون على لقلقة الألسن المحرضة على أعداء يتخيلهم البعض أنهم هم من خارج المجالس أو ممن لا يقيم الشعائر ولا يتماهى مع المناسبة الجليلة بحكايات من صنع الخيال .

حدثني أحد المعنيين الحزبين المشرفين على المجالس الحسينية في الضاحية الجنوبية أن" سيد العزاء " فيها يشترط علينا المبالغ التي يريدها جرّاء إبكاء الناس وهي بالملايين كما أنه يتقاضى المبالغ ذاتها من المؤسسة الشيعية ويعترض العاقلون على ما يُدفع للقراء من مبالغ أسطورية  لا تحصلها الشركات والتجارات والمصارف ويدعون الى تهذيب الدفع وتوظيفه في المجالات الصحيحة فلو وفرّ المتحمسون للسيرة الحسينية نسبة في كل سنة من المبالغ المدفوعة لإحياء جنازة الإمام الحسين (ع) لصالح أعمال مؤسساتية منتجة لقضينا على كثير من الأزمات المتزايدة في المجتمع الإحيائي للمراسيم الدينية.

تبدو سيطرة الواقع على عاشوراء ومصادرة المناسبة لصالح الانتفاع الخاص لا يخدم الدور الحسيني الطليعي في اعادة دور الأمّة النهضوي من خلال العمل الاصلاحي الذي أراده سبط الرسول مدخلاً لتصحيح الخلل الذي أصاب المسلمين نتيجة اندفاعهم نحو المصالح الشخصية والضيقة وترتيب أوضاعهم وفق مشتهيات رغباتهم والابتعاد عن روح الجماعة وقطع يدها وبسط يد السارق والناهب ونشر الجهل بين الناس .

عندما تعمُ الظاهرة وتصبح جمهوراً لا معنى لأي دعوة حرّة ومسؤولة ويصبح الامام الحسين نفسه مستهدفاً اذا ما خالف العصبية العامة التي تولد من خارج السياق التاريخي لتصادر التاريخ نفسه لصالح أهداف لا تخدمها ولكنها تخدم المحتكرين للدين الذين يغذون الشعور المتشح بسواديّ القلب والعقل لقتل روح الانسان وإطلاق غريزته الحيوانية الوحشية تماماً كما هو حال المتطرفين الذين شكلوا جنتهم بقتل الآخرين .

لقد قام الامام الحسين ليأمن الناس من خوف السلاطين وتجار الدين ودفع حياته وحياة أهله وأصحابه لتستقيم الأمّة على الصراط المستقيم وهذا ما يدعونا الى ملاقاة الحسين سلام الله عليه في الطريق المؤدي الى الله لا الى شياطين الجن والإنس .