كل عام يعيش المسلمون البهجة و السرور في عيد الاضحى, و في اجواء هذا الفرح نجد انفسنا ننتقل الى فرح جديد هو امتداد للفرح الاول, و هو استقبال عيد الغدير و الذي هو من المناسبات الاسلامية الكبرى, التي تم فيها تنصيب الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه و اله و سلم لعلي بن ابي طالب اماما و قائدا للامة من بعده, وكان ذلك في السنة العاشرة للهجرة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة, و ذلك بعد انتهاء النبي من حجة الوداع و خروجه من مكة باتجاه المدينة .
واطلق على هذه المناسبة اسم عيد الغدير نسبة للمكان الذي حصلت فيه, و اصبح عنوان عيد الغدير يرمز الى المناسبة التي عين فيها النبي صلى الله عليه واله عليا عليه السلام اماما و خليفة من بعده , وحصل هذا التعيين بمحفل من المسلمين الذي كانوا بصحبة النبي, وكانوا لا يقلون عن مائة الف كما اخبر المحدثون و المؤرخون, و حديث الغدير من الأحاديث المتواترة التي رواها العديد من صحابة النبي و التابعين لهم, و ذكره العلماء المحدثون في كل عصر بشكل متواتر .
و من العلماء الذين كتبوا حول حديث الغدير العلامة الاميني رحمه الله, و هو أحد العلماء الكبار المتخصصين بدراسة حديث الغدير سندا و متنا, و قد صنف كتابا حول عيد الغدير سماه "الغدير", و يعتبر هذا الكتاب من اهم الكتب المتخصصة بدراسة حديث الغدير و التحقيق في سنده بما يقطع الشك باليقين, وانه لا مجال للتشكيك بصحة هذا السند وقطعية صدوره عن النبي محمد صلى الله عليه واله, لذا كان حديث الغدير حجة على المسلمين, واحياؤه يعتبر احياءا لسنة النبي الشريفة, كما جمع العلامة الاميني رحمه الله في هذا الكتاب المسمى بالغدير كل الروايات و الاحاديث المتعلقة بحديث الغدير . و ذكر ايضا رحمه الله احصاءا حصل عليه نتيجة جهوده في دراسة حديث الغدير, يقول فيه: انه روى حديث الغدير من الصحابة (110) ومنهم الخلفاء الثلاثة ابو بكر بن ابي قحافة وعمر بن ‌الخطاب وعثمان بن عفان, وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب, وحذيفة بن اليمان وعامر بن ليلى بن ضمرة وابن مسعود و سلمان الفارسي و عمار بن ياسر و الزبير بن العوام و ابو ذر الغفاري و العباس بن عبد المطلب وابن عباس و زيد بن ارقم و جابر بن عبد الله الانصاري و ابو هريرة و عبد الله بن عمر بن الخطاب, كما روى حديث الغدير من زوجات النبي عائشة بنت ابي بكر وام سلمة .
كما ذكر العلامة الاميني انه روى حديث الغدير من التابعين (89), منهم الأصبغ بن نباتة وسالم ‌ بن ‌عبدالله ‌بن ‌عمر بن الخطابة و سعيد بن جبير و سليم بن قيس و عمر بن عبدالعزيز (الخليفة الأموي) .
واما ممن روى حديث الغدير من العلماء والمحدّثين (350) منهم الفخر الرازي في "تفسير الكبير" المجلد 3 الصفحة 636 وجلال الدين السيوطي في "الدر المنثور" المجلد 3 الصفحة 298 الشيخ محمّد عبده المصري في تفسير "المنار" المجلد 6 الصفحة 463 والقاضي الشوكاني في "فتح القدير" المجلد 3 الصفحة 57 والحافظ ابن مردويه (المتوفى سنة 416) ، والشيخ سليمان القندوزي الحنفي في "ينابيع المودة" الصفحة 120 وغيرهم .
و يحسن بكل مؤمن و مسلم ان يكون لديه كتاب الغدير الذي يعتبر موسوعة كبيرة في موضوعه, و هناك محطات كثيرة تتعلق بمناسبة عيد الغدير لكن سنتعرض لذكر بعض منها من خلال العناوين التالية :
1 – مناسبة عيد الغدير من اهم المناسبات الاسلامية :
يعتبر عيد الغدير من اهم المناسبات الاسلامية التي تستحق الاهتمام و الاحياء و العناية لأهمية مضمونها حتى يمكن الاستفادة منها بالشكل الصحيح , و ما اكثر المناسبات الاسلامية الهامة التي لا يتم التركيز فيها على معانيها و مضامينها العالية بالشكل الصحيح مما يحرم الناس من الاستفادة الحقيقية منها, و مناسبة عيد الغدير نزل في شانها نصوص قرآنية ابرزها اية التبليغ من سورة المائدة, و هي قوله تعالى : ﴿يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـفِرِينَ (67) ) . و تواترت الاحاديث حول نزول هذه الآية الشريفة بخصوص إمامة وخلافة علي بن ابي طالب, و المقصود بأمره تعالى في الآية للنبي محمد صلى الله عليه واله و سلم ( بَلِّغْ ) أي على النبي أن يبلغ المسلمين بإمامة و خلافة علي من بعده.
و ذكر المحدثون و المفسرون خطبة النبي في المسلمين في عيد الغدير, وفيها الكثير من الامور الهامة التي يحسن بالمسلمين دراستها و الوقوف عليها, وهذه بعض الاحاديث حول عيد الغدير التي رواها بعض المحدثين :
1 - فقد أخرج الامام أحمد بن حنبل بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال : نزلنا مع رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ وسلم بواد يقال له : وادي خم ، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير ، قال : فخطبنا ، وظلّل لرسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله ‌وسلم بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فقال رسول الله : ( ألستم تعلمون ؟ ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ ) قالوا : بلى ، قال : ( فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه ، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه ) (مسند أحمد ٥ / ٥٠١ رقم ١٨٨٣٨)
فمفردة الولاية في حديث النبي صلى الله عليه واله و سلم تشير الى معنى الامامة و القيادة, و من هنا كانت امامة علي عليه السلام امتدادا لقيادة النبي, بمعنى ان عليا عليه السلام يحفظ رسالة النبي من بعده و يعلمها للناس, و يدعوهم للالتزام بها و يقودهم الى تطبيقها .
2 - وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لمّا رجع رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌و آله‌ وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن ـ أي فكنسن ـ ثمّ قال : ( كأنّي قد دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض ) ، ثمّ قال : ( إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن ) ، ثمّ إنّه أخذ بيد علي رضي‌الله‌عنه وقال : ( من كنت وليّه فهذا وليّه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ).
يقول أبو الطفيل : فقلت لزيد : سمعته من رسول الله ؟ فقال : إنّه ـ وفي بعض الألفاظ : والله ، بدل إنّه ـ ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه (فضائل الصحابة : ١٥ رقم ٤٥ )
و يوجد في هذا الحديث اشارة الى ان النبي صلى الله عليه و اله و سلم ضمن خطبته في عيد الغدير حديث الثقلين, و ذلك للاشارة الى امامة اهل البيت عليهم السلام, امامة الحسن و الحسين و الائمة التسعة من ذرية الامام الحسين صلوات الله عليهم, الا ان التعرض لإمامة علي بشكل خاص, لان امامته تأتي اولا وبعدها تعقبها امامة الائمة الاحد عشر بحسب ما رتبها الرسول الاعظم طبقا للوحي, ونستوحي مما تقدم ان عيد الغدير هو عيد الامامة العامة لأهل البيت, لذا لا بد من التركيز عليها في عيد الغدير .
ثم اننا نسال هل ان الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله تحدث عن امامة علي عليه السلام قبل حادثة غدير خم ؟ المحدثون يروون في كتبهم احاديثا كثيرة عن الرسول الاكرم يذكر فيها امامة علي عليه السلام و امامة الائمة الاحد عشر من بعده, ويتحدث عن خلافتهم له على نحو التدريج كل امام يتلوه بعد وفاته امام, حيث لا يجتمع امامان في وقت واحد كما ان الامام السابق يكون اماما للإمام اللاحق و لغيره من الناس, فعلي كان في حياته اماما للامامين الحسنين صلوات الله عليهم, كما لا يجتمع امام ورسول في وقت واحد و بتعبير آخر ان امامة الامام علي لم تكن امامة فعليه في حياة النبي محمد صلى الله عليه و اله و امامته تبدا بعد وفاة النبي ومن هنا المكانة التي احتلها عيد الغدير و اعداد الامامة للانتقال من الامامة الشأنية الى الامامة الفعلية و هكذا باقي ائمة اهل البيت, فإمامة اللاحق تبدا بعد رحيل الامام السابق كما تقدم الحيث عن ذلك .
ومن الاحاديث التي رويت حول امامة الائمة الاثني عشر عليهم السلام ما رواه العالم الشيخ سليمان القندوزي، ، في كتابه (ينابيع المودّة) : انه جاء رجل يهودي يُدعى نعثلاً إلى رسول الله صلى الله عليه و آله ، وكان من بين الأسئلة التي ألقاها عليه أنّه سأله عن أوصيائه وخلفائه من بعده، فقال رسول لله صلى الله عليه و آله :
( إنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمّة من صلب الحسين إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهديّ، فهؤلاء إثنا عشر ) / السبحاني، الشيخ جعفر، رسائل ومقالات، ص 406 .
أهمية مناسبة عيد الغدير في مضمونه السياسي :
و نؤكد على اهمية مناسبة عيد الغدير من موقع أن هذه المناسبة تضمن أخطر القضايا في حياة الامة , وهي قضية القيادة و الامامة في حياة المسلمين ولا يخفى ان صلاح المجتمعات في الغالب بصلاح قادتها و فسادها بفساد ايضا قادتها .
لذا كان الهدف من احياء عيد الغدير تعريف المسلمين بأئمة اهل البيت عليهم السلام قادتهم و ائمتهم الذين اصطفاهم الله تعالى لهم على اختلاف عصورهم بعد رحيل النبي صلوات الله عليه الى قيام الساعة, و إحياء عيد الغدير لا بد و أن يكون إحياء لمفهوم الامامة و القيادة و ايضا تبيان ما هو دور المجتمع الاسلامي اتجاه قيادة اهل البيت عليهم السلام .
ثم لا يخفى ان احياء عيد الغدير يسلط الضوء على موضوع قيادة الائمة في كل العصور وليس بالضروري ان يتم حصر ذلك بالإمام الظاهر, بل ايضا بقيادة الامام الغائب كما هو نحن فيه الان , لذا مناسبة الغدير تشكل مدرسة حول العمل السياسي في الاسلام في التعاطي مع قضية الامامة, ومن هنا نجد ان عيد الغدير يحمل هواجس لدى الحكام و السلاطين .
2 – الهدف من احياء عيد الغدير و كيف يؤدي الاحياء هدفه :
كل مناسبة اسلامية لا بد من احيائها و الاستفادة من مضمونها التربوي, لكن لا بد من الانتباه الى ان المناسبات الاسلامية لا يمكن ان تؤدي دورها بالشكل الصحيح الا اذا ارتبط احياؤها بالناحية العملية و المسلكية ولم يقتصر على القضايا الشكلية التي تشوه المناسبة و تحرفها عن دورها المنشود في تحقيق الاصلاح في الارض و نشر العدالة .
و اخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله و صحبه و عباده المخلصين .

الشيخ حسين اسماعيل