أولا: التدخل التركي..
يعتقد كثير من المحللين والمتابعين ورجال السياسة، وخاصة المعارضة السورية، أنّ التدخل العسكري التركي كان من المفترض أن يحصل في بداية أحداث الانتفاضة السورية، فلطالما هدّد المسؤولون الأتراك النظام السوري بوجوب الكفّ عن قتل المتظاهرين، واعتقال المعترضين، وقصف المدنيين وتهجيرهم، وإلاّ فإنّ تركيا لا تستطيع  أن تبقى على الحياد، أو في وضع المتفرّج والمراقب، لأنّ مصالحها في المنطقة تهدّد بالضياع، لذا يصبح لزاماً تغيير النظام ورأس النظام، لتستقيم الأمور في سوريا، بوابة تركيا للعالمين العربي والإسلامي، إلاّ أنّ النظام استمر في قمع المعارضة بالعنف المسلح، وظلّت التهديدات التركية كلاماً لا معنى له ولا تحقيق، وحصل ذلك ربما لاعتبارات عديدة، لعلّ أبرزها وأهمّها الرغبة الإسرائيلية بعدم المساس بالنظام السوري، لأكثر من خمس سنوات متتالية، وتُترجم هذه الرغبة عادة بالضغوط الأميركية على تركيا ودول الخليج العربي بعدم المضي قُدماً في محاولات إسقاط النظام السوري، وإذ طال بذلك عمر رأس النظام السوري، كاد رأس النظام التركي أن يطير بضربة واحدة في أمرٍ دُبّر بليل، وهذا ما عجّل باتخاذ قرار الدخول التركي الحاسم إلى أرض الميدان المشتعل في شمال شرق سوريا.
ثانيا: الإطاحة بالحلف الثلاثي..
أطاح التدخل العسكري التركي بمخططات الحلف الثلاثي: روسيا ، إيران، النظام السوري، الذي كان يأمل في حسم معركة حلب بعد فشل الانقلاب العسكري التركي، وذلك تمهيدا لعقد جلسات حوار في جنيف تضع اللمسات الأخيرة على نهاية ثورة شعبية وانتصار نظام ديكتاتوري جائر، فكان أن سهّلت تركيا للمعارضة هجومها الواسع لفكّ الحصار عن المدنيين والثوار في حلب، والنجاح الذي تحقّق في هذا المضمار، جعل أحلام الحلف الثلاثي في مهب الريح، وجعل تركيا على أهبة الاستعداد ،بعد تسوية لا بدّ منها مع روسيا، للتدخل المريح في مجريات الحرب السورية، لافهام الجميع ، بما فيهم الولايات المتحدة الأميركية، أنها حاضرة وفاعلة ، ولن تسمح بكانتون إثني كردي على حدودها، وأنّ على الجميع، أن يُدخلوا العامل التركي في حسابات الربح والخسارة، وأنّ أملاً جديدا سينتعش ببقاء سوريا مُوحّدة، وبعيدة عن مخططات كيري-لافروف التقسيمية.
ثالثاً: الانتكاسة الجنوبية وسقوط داريا..
وأخيرا سقطت داريا، بعد حصار طويل لأكثر من ثلاث سنوات، وراكم النظام بعض الانتصارات في محيط العاصمة دمشق، ولا يزال الدعم الإيراني والحزب-اللهي يمدّه بجرعات كافية من مقومات الصمود والتصدي لمعارضيه، وعليه فإنّ المواجهة القادمة، ربما استقرت على مشاريع دولة علوية في ما يُسمى ب"سوريا المفيدة" وعاصمتها دمشق، ودولة سُنّية وعاصمتها حلب مدعومة من تركيا، وذلك برضا الروس والأميركين، مع مباركة إسرائيلية طبعاً، أمّا ما يتبقى من اثنيات وطوائف وعلمانيين ومعارضين ثوريين فلهم الصبر والكفاح لئلاّ تنتصر مخططات الوفاق الروسي الأميركي الإيراني ،والذي تحقق بأعجوبة لا يقدر عليها إلاّ زعيم من بلادنا يدعى باراك حسين أوباما، وتشاء الظروف أن يقود أهم امبريالية في العالم.