فوجئت الأوساط الطرابلسية بالهجوم العنيف الذي شنّه وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي على مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعّار، بعد إحياء الذكرى السنوية الثالثة لتفجير مسجدَي التقوى والسلام في دار الفتوى.لا يريد الشعّار تصديق ما صدر عن صديقه القديم، ريفي. هو لا يزال يتريّث، لكنّ عدم توضيح ريفي ما جاء في مقابلته الأخيرة، دليلٌ على صحّة ما نُشر. وحين تسأله عن سبب وصول العلاقة بينه وبين ريفي الى هذا المستوى من الجفاء، يروي لـ«الجمهورية» القصة الكاملة، والتي انطلقت مع الذكرى السنوية الأولى والثانية لتفجير المسجدَين، حيث لم يبادر ريفي الى «التنسيق معه أو مع دار الفتوى في المناسبتين».

ويقول الشعّار: «هذه السنة زارتني مجموعة من الشخصيات، وسألتني عن سبب تغييب دار الفتوى عن جريمة التفجيرَين، فأجبتُ بأنّ هذا الكلام غير دقيق، لكنّ ما حصل هو أننا لم نُستشر في السنة الأولى، ولم يُنسَّق معنا في السنة الثانية، ولا أريد أن أكون طرفاً أو منافساً لأحد في هذه القضية. لكنني وعدتُ بالتفكير في الموضوع والإجابة لاحقاً.

بعدها بيومين اتصلوا بي مستفسرين عن موقفي، فقلتُ له: «ممكن أن يحدث هذا الأمر شرط ألّا يكون هناك أيّ احتفال أو حتى مؤتمر صحافي ملازم لما سنفعله في دار الفتوى، ونحن أصلاً، لن نُقدم على أيّ إجراء قبل التنسيق مع جميع السياسيين».

ويؤكد الشعّار: «صراحة وجدت القبول عند كلّ المرجعيات السياسية في المدينة، كما اتصل بي كلٌّ من الشيخين سالم الرافعي أمام مسجد التقوى، وبلال بارودي أمام مسجد السلام، داعمَين الخطوات التي سنتّخذها. وحين سألتُ الشيخ بارودي عن نيّة الوزير ريفي تنظيم أيّ احتفال في المناسبة، أبلغني أنهم هم عادة مَن يلاحقونه، لكن إن أردتَ سماحتك أن تحيي هذه الذكرى، فالجميع سيشارك في دار الفتوى.

عندها، دعوتهم إلى حضور اللقاء التضامني الموسّع في دار الفتوى يوم الثلثاء، وأبلغتهم أنني سأدعو وزير الداخلية نهاد المشنوق لنقف على يقين نهاية التحقيقات الأمنية.

من هنا، فإنّ الكلام عن أنّ دعوتي للوزير المشنوق جاءت نكاية، هو كلام مردود، لا يليق أن يُوَجَّه لأمثالنا، لأنّ اللبنانيين عموماً، وأهل طرابلس خصوصاً، يعلمون بأنني لستُ مزاجياً، ولا انفعالياً، ولم ألجأ الى موقف نتيجة ردة فعل إطلاقاً.

لكن أعترف بأنني لم أدعُ الوزير ريفي إلى المشاركة في اللقاء، بعدما سُدَّت كلّ نافذة للاتصال به، ولا أعتقد أنّ فضاء طرابلس، وآذان أبنائها يمكن أن ينسيا الكلام الذي تناولني به خلال إطلالته التلفزيونية الأولى».

ويكمل الشعّار في سرد ما حصل: «فوجئت بالمؤتمر الصحافي الذي عقده الوزير ريفي في دارته، في حضور الشيخين الرافعي وبارودي قبل أيام قليلة من موعد لقائنا الموسّع، لكنّ الشيخ بارودي اتصل بي فوراً وأخبرني بأنهم ذهبوا الى الوزير ريفي في زيارة خاصة، لكنهم فوجئوا بأنّ الوسائل الاعلامية تتحضّر لنقل وقائع مؤتمره الصحافيّ، ونحن لم تكن لدينا النيّة للمشاركة فيه».

ويوضح الشعّار: «استوقفني كلام ريفي. أن يوجّه لي نصيحة فأنا شاكر له، لكن بالأسلوب الشرعيّ والانسانيّ، فإذا كانت صحيحة آخذ بها، وإلّا فأبيّنها. لا أظن أنّ أحداً في لبنان، يصفني بأنني «طاووس» أو متكبّر أو أنّ مساحة بيني وبين الناس قد افتعلتها.

أنا ابن المدينة، وابن مساجدها، وابن أنديتها الثقافية، وأنشطتها الاجتماعية العامة. يهمّني أن أقول للوزير ريفي، تذكّر ما كنتَ تقوله لي من حبّ ومدح وثناء، لا زلت احتفظ بكمّ كبير من كلمات الاطناب والاعجاب التي كنت اسمعها منه، ومن سيّدة قصره العامر الأستاذة سليمة حفظها الله وإياه.

الأمر الثاني، ليس هو المكلّف أن يرسم للمفتي خريطة تحرّكاته. نحن في الإسلام، ليس لدينا في الأساس فصل بين الدين والدولة والسياسة، نحن علينا أن نترفّع عن زورايب السياسة. وهو ما نقوم به، ولا ننتظر توجيهاً من معاليه حتى نحدّد حركتنا».

أما قول ريفي إنّه لن يسمح له أن يبقى يوماً واحداً في سدة الإفتاء بعد عام، ولو اضطر الأمر لاحتلال دار الفتوى، فيؤكد الشعّار: «حتى الآن لست متيقّناً أنّ مثله يجرؤ على هذا الكلام، هو وزير العدل، وقبل ذلك مديراً عاماً لقوى الأمن الداخليّ، وهو جزء من السلطة. أعتقد أنّ هذا الأسلوب غريب عن ثقافة الوزير ريفي، اذا صحّ أنّ هذا الكلام منسوب اليه، فأعتقد أنها بداية غير مشجّعة، لأنّ المسؤولين لا يلجؤون الى مثل هذه الأساليب.

فهو اسلوب فيه شيء من التهديد والتخويف والإرهاب. أنا أربأ بريفي أن يلجأ اليه، وأن ينسى وداد ثلاثين عاماً مضت، لا أحب أن أذكّره بها، بل أودّ أن أذكّره بالقيم والمبادئ والانتظام العام. لكن أقول بكلّ دقة، إذا كان يقصد ما قاله، فأنا من حقي أن أحتفظ بمقاضاته أمام القضاء، في كلِّ ما يصيبني من مكروه، أو بكلّ ما يحدث معي أو حتى مع سيارتي.

أنا ابن مجتمع، وابن وطن، وابن ثقافة متحضّرة، لا أستطيع أن أجيبه بكلمة ممّا قال، والعرب في الجاهلية قالوا: ألا لا يجهلنّ أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلين»!.

ويختم الشعّار حديثه: «جلّ ما أقول، في المرة الأولى جعلت له شيئاً من التبرير، وقلت ربما سبق لسان، ولكلّ جواد كبوة. لكن الآن: «أشكوه الى الله»، وهو يعلم قيمة الشكوى الى الله، ويعلم أنّ قيمة الرجال بامتلاك غرائزهم، وأعصابهم، وألسنتهم، قوّة الرجال في رباطة الجأش، وفي ألّا يكيلوا الكيل بمكيالين».

 

عبدالله بارودي