الحديث عن داعش لم يعد حديثا" عن تنظيم إرهابي محدود من الممكن القضاء عليه بسهولة، فالتحالف الدولي المكون من أقوى دول العالم لم يقدر حتى اللحظة من الحد من الهجمات الإرهابية التي باتت تطاول الأبرياء في كل مكان، ولم يستطع حماية المدنيين في قلب الدول المكونة له من التعرض إما لعملية دهس، أو إطلاق نار، أو حتى تفجير إرهابي. في الماضي، اعتبر أهم المحللين السياسيين وأكثرهم أن داعش هي صنيعة المخابرات الدولية، ولكن كيف لمن صنع تنظيما" ألا يستطيع توجيه أهدافه، أو معرفة أمكنتها، أو حماية نفسه من التنظيم على الأقل؟ لا شك بأن تنظيم داعش الذي بث الرعب في قلوب دول الغرب أصبح لغزا" لا بد من حلّه، خاصة بعد أن أثبت أنه بريء من المعارضة السورية، التي كان يدعي نصرتها، وأصبح قصف المدنيين العزّل مباحا" عند المجتمع الدولي متذرعا" بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي!! ومع اشتداد الحوادث الأمنية في الغرب، وتحييد البلدين المؤججين للصراع في سوريا ( روسيا وإيران)، وهما بلدان محددا الهوية الدينية، بدأت الشكوك تشوب أذهان الكثيرين لسببين رئيسيين: لماذا تصر داعش على مهاجمة البلدان التي فتحت أبوابها للاجئين السوريين وتحيّد إيران وروسيا المسببتين بتأزيم الوضع في سوريا عن الصراع؟ وإن كان التنظيم يريد حقا" أن يعيد مفهوم الخلافة الإسلامية، وهو طبعا" بعيد عنها بسنوات ضوئية، لماذا لا يوجه ضرباته إلى هذين البلدين البعيدين عن عقيدته؟ المحلل السياسي نبيل بو منصف أجاب موقع لبنان الجديد عن هذه الأسئلة:
" من الواضح أن ايديولوجية داعش تختلف عن كل المعايير الكلاسيكية التي نفكر بها نحن، وهي تكاد تكون غامضة جدا"، وليس هناك حتى اليوم إلمام علمي حقيقي لاستراتيجية وايديولوجية داعش في إنتقاء الأهداف وضربها إلا بما يمكن تسميته حربا" على البشرية. تنظيم داعش يشن اليوم حربا" منهجية واضحة على فرنسا خاصة، ولكن تحييده لبعض الدول لا يعني أنه سيوفرها. داعش تضرب حيث يمكنها أن تضرب، وحيث يمكنها أن تتفشى، وحيث يمكنها أن تنجح بتعميم استراتيجية الرعب في العالم، وقد نجحت مع الأسف. ليس هناك رد على الإحتواء العسكري في سوريا والعراق، وليس هناك استراتيجية مقابلة من خلال المنحى الثقافي، والديني، والإجتماعي، وهذا يتطلب حربا" عالمية مقابلة على داعش. من قال أن داعش ستوفر روسيا؟ كلنا نعلم أن أحد الأسباب التي أعلنتها روسيا لتدخلها في سوريا هو ضلوع آلاف المقاتلين الشيشان في الحرب السورية. بتقديري، من الممكن أن تضرب داعش روسيا. كل دولة تحاول أن تكون بمنأى عن داعش بحسب موقعها الجغرافي، وقدراتها الأمنية. داعش لها أوليات تعمل عليها، والخطر الذي يواجهها في سوريا والعراق من خلال انحسارها كبير، لهذا هي توجه أهدافها إلى المناطق الأكثر تأثيرا" للضغط على القرار الدولي لردع هذه العمليات العسكرية. فيما يخص استهداف فرنسا، لا شك بأن فرنسا تشكل خطرا" كبيرا" على داعش والتنظيمات المشتقة منها من خلال العمل العسكري، أو الإستخباري، أو الثقافي أو بسبب تدخل فرنسا في افريقيا، والعامل الأفريقي أساسي جدا" في استهداف داعش لفرنسا. لا شك بأن توظيف المخابرات الدولية لمواجهة داعش حولها من وحش صغير إلى وحش عملاق جراء السياسات الدولية الرعناء التي تتسم في جوانب منها باللاأخلاقية، والحسابات ترتد على أصحاب تلك السياسات، والحديث عن ان داعش هي صنيعة بعض الدول هو تبسيط للأمور، ومن يريد تحليل داعش عليه أن يعود للفكر الأصولي من قرنين حتى اليوم من أين ولد؟ وكيف تطور؟ وما هي البيئات الإجتماعية التي نما فيها مرورا" بالقاعدة، وصولا" إلى داعشية الجيل الجديد الذي ولد على أنقاض القاعدة. السياسات الإقليمية والدولية هوّلت أمر داعش، وجعلتها أشد خطرا" بملايين الأضعاف مما كان ممكنا" أن تكون عليه لولا التوظيف الخارجي، والتوظيف الدولي، ولولا لعبة المصالح، أما فيما يخص صناعتها، فقد لا تكون صنيعة سياسية دولة بعينها، إنما هي نشأت بسبب عوامل عدة نشأت معها بدليل أننا نرى أشخاصا" يعلنون الولاء لداعش من الجنسيات الأمانية والفرنسية وغيرها، وهم من الجيل الثالث الذي يستقي هذه الأيديولوجية المخيفة ثم يذبح. العالم الدولي أساسي ولكنه ليس وحيدا" لدراسة داعش التي أصبحت ظاهرة بدأت تشن شبه حرب عالمية جديدة في هذا العالم".