منذ 2015 وبعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وضعت السعودية سياسة التمشي مع إيران جانباً ومنذ اللحظة الأولى كشرت أنيابها لإيران وعند ما تم تعيين عادل الجبير وزيراً للشؤون الخارجية بعد وفاة الأمير سعود الفيصل، لم يتمكن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف من كسر الجليد في العلاقات مع السعودية بتوجيه رسالة تهنئة لنظيره السعودي حيث كان رد فعل نظيره عنيفاً بعض الشيئ وخارجاً عن التقاليد الدبلوماسية.
ثم مع بدء المملكة بشنّ هجوم على اليمن بعد سيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة، دخلت العلاقات الإيرانية السعودية مرحلة جديدة من التوتر وإعدام الشيخ النمر صبّ النار على الزيت، كما ردّ الفعل الإيراني شبه الحكومي عبر الهجوم على مبنى السفارة السعودية في طهران ومشهد زاد الطين بلّة وأعقبه سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية السعودية تمكنت الأخيرة من خلالها من جرّ إيران إلى موقع المدان بسبب الاعتداء على مبنى السفارة.
ولم تقتصر السعودية على تلك الإدانات الدولية التي ساهمت في تهميش إيران دولياً وإقليمياً، بل شنت حرباً نفطياً على إيران وحلفائها الروس، عبر تنزيل أسعار النفط وثم زادوا على دعمهم للجماعات المسلحة في سوريا من أجل الضغ
 على إيران ودفعها إلى الانسحاب. كما أعلنوا بالموازات لمرات عدة بأنهم يطالبون بأحسن العلاقات مع إيران بحال إنهائها التدخل في شؤون البلدان العربية.
ورداً على تلك المطالبة، صرح الإيرانيون بأن البدان العربية كالعراق وسوريا و لبنان هي دول مستقلة ولديها كامل سيادتها وهي ليست تحت الانتداب السعودي حتى يحق لها أن تتكلم نيابة عنها وكأنها قيّمة عليها.
الحرب النفطية ضد إيران - لو نفترض بأن هناك كانت تعمد سعودي ضد إيران في تنزيل أسعار النفط- كانت مكلفة للملكة السعودية وحلفائها أيضاً مما أدى إلى تراجعها وتراجع النفط من أدنى مستوى اسعاره منذ عقد- أي دون الثلاثين دولاراً- لتصل إلى الخمسين. وكان هناك استعداداً إيرانياً للتماشي و التأقلم مع أدنى من ذلك بكثير.
تهدف المملكة السعودية من وراء ضغوطها على إيران دفعها بالانسحاب ولكن هل ستلقى تلك السياسة بالنجاح؟ يبدو أن الجواب بالنفي وليس الإيجاب، لأن إيران أثبتت بأنها تدفع تكاليفاً باهظاً من أجل التقدم بمشاريعها السياسية والاستراتيجية والمشروع النووي دليل واضح على ذلك، يثبت بأن إيران لا تنظر إلى مشاريعها وتكاليف إنجاز تلك المشاريع بنظرة إقتصادية أو بعقلانية إقتصادية تتطلب حسابات ومحاسبات دقيقة. ولربما يقال بأن الحصول على حق التخصيب النووي ما كان يستحق تحمل تلك العقوبات المدمرة ولكن العقل الإيراني ينظر إلى الإنجاز وليس إلى تكاليف تلك الإنجازات على عكس العقل الياباني الذي يتراوح بين التمرد وبين الاستسلام. فاليابانيون بعد تمرّدهم عن اللعبة الدولية خلال الحرب العالمية الثانية، رفعوا رايات الاستسلام التي لم تنزل حتى اللحظة وفي المقابل حصلوا على تلك الانجازات الكبيرة في الاقتصاد والصناعة.
أما الإيرانيون يعتبرون المجد أكبر وأهم من النفع وأن الحصول عل حقوقهم أولى من كل شيئ مهما كانت التطاليف باهظة.
إن إيران كانت مستعدة للدخول في الحرب مع الولايات المتحدة على موضوع التخصيب النووي، فهل إنها ستتنازل عن مشاريعها بفعل بيانات مجلس تعاون دول الخليج أو منظمة التعاون الإسلامي أو نداءات الوزير عادل الجبير؟
ربما يحتاج الطاقم الجديد في المملكة السعودية إلى انتصارات سياسية وعسكرية لإثبات مصداقيته للداخل ولكن يبدو أن الحصول على تلك الانتصارات عبر الرهان على تناول إيران وانسحابها مستحيل ولا حيلة للسعودية إلا التفاوض مع إيران والوصول معها إلى صيغة لتقاسم النفوذ في المنطقة، كما نصح الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما السعوديين بذلك، وأن تصل متأخراً خير من أن لن تصل أبداً.