قبل أشهر كانت "جبهة الممانعة" المؤلّفة من إيران و"حزب الله" وميليشياتها العراقيّة والأفغانيّة والباكستانيّة ونظام الرئيس الأسد قرّرت خطّة إستعادة مدينة حلب وأريافها طبعاً بعد التفاهم التفصيلي مع حليفها رئيس روسيا بوتين. وأجرت الاستعدات اللازمة للنجاح في ذلك مثل وضع الخطط العسكريّة وفرز الألوية والكتائب والفصائل النظاميّة والميليشياويّة، واتّفقت مع موسكو على دور قوّاتها في هذه المعركة. عرف السوريّون من كل الاتجاهات واللبنانيّون والعرب والمسلمون ذلك من الإعلام الذي حفل بخطابات التهديد والوعيد والوعد باسترجاع حلب. لكن ذلك كلّه توقّف فجأة مثيراً سَخط الأسد وإيران و"الحزب" وارتياح المعسكر العربي والإسلامي المُعادي لهم وكذلك الغرب، وفي مقدّمه أميركا. وأثار ذلك في أوساط الناس في المنطقة الأسئلة عن أسباب الإحجام عن معركة مضمونة النجاح ومُقرّرة في الحرب الدائرة في سوريا. طبعاً بدا قبل أسابيع قليلة أن معركة حلب قد بدأت وإن متأخّرة. لكن وتيرة المعارك العسكريّة كوّنت انطباعاً أنها غير المعركة الحاسمة التي قُرّرت قبل أشهر. فما الذي جرى؟ ومن الجهة أو الجهات التي تراجعت إذا كانت تراجعت؟ وما هي أسباب تراجعها؟
قبل الجواب عن هذه الأسئلة وأخرى كثيرة غيرها يُستحسن طرح "قصّة حلب" إذا جاز وصفها على هذا النحو للناس والإنطلاق منها لمحاولة فهم ما جرى وما يمكن أن يجري في موضوع هذه المدينة ومصيرها. وللنجاح في ذلك كان لا بدّ من الاستعانة بقريبين جدّاً من طهران وعلى اطّلاع واسع على مجريات دورها وأدوار حلفائها في "جبهة الممانعة" في الحرب السوريّة. وينطلق هؤلاء قبل الخوض في التفاصيل من مسلّمة أساسيّة هي أن أي تغيير في مصلحة "الجبهة" مجتمعة على مختلف جبهات القتال في سوريا لا يمكن أن يتحقّق إذا لم يؤمّن سلاح روسيا الجوّي المتمركز في سوريا أو على بوارجها الحربيّة الراسية في البحر الأبيض المتوسط كما في البحر الأسود الغطاء الضروري، ولا يمكن أن يتحقّق أيضاً إلاّ إذا لبّت موسكو احتياجات عسكريّة لقوات "الجبهة" نفسها في الميدان. وهذه المسلّمة لا يستطيع أحد أن يشكّ فيها انطلاقاً من حقيقة مسلّم بها من العالم كلّه هي أن الأسد ونظامه كانا معرّضين للإنهيار الصيف الماضي لولا تدخّل روسيا عسكريّاً. وهي أيضاً أن موافقة الأخير على إنقاذ الأسد وعلى منع انكسار إيران في سوريا وفتح باب التجرّؤ عليها بل تحدّيها في المنطقة ما كانت لتحصل لولا طلب المرشد والوليّ الفقيه المساعدة من الرئيس بوتين. وكان ذلك بواسطة مستشاره وزير الخارجية الأسبق الدكتور علي أكبر ولايتي. وبعد الموافقة زار الحاج قاسم سليماني "رئيس" "فيلق القدس" الإيراني روسيا مرّتين لانجاز التفاهم ووضع الخطط العسكريّة والسياسيّة للتدخّل وتاريخه ولتحديد الأهداف المطلوب تحقيقها.
نُفّذت الاتّفاقات بدقّة ونجح التدخّل الروسي بغطائه الجوّي ولاحقاً المدفعي في إزالة اختراقات الجهات التي تقاتل نظام الأسد لمنطقته التي سمّاها بوتين سوريا المفيدة، وتالياً في إنهاء الخوف من سقوطه.
طبعاً، يلفت القريبون في طهران أنفسهم أن تباينات حصلت وخلافات وقعت في أثناء القتال المشترك بين "قوات" الممانعة وروسيا من جهة والثوار السوريّين والتنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة والتكفيريّة من جهة أخرى. بعضها كان بين قيادات عسكريّة سوريّة وروسيّة، وبعضها كان بين السوريّين ومقاتلي "حزب الله" في مناطق معيّنة، وقسم منها كان بسبب النقص في التنسيق، وقسم آخر بسبب الحساسيّات والإختلاف على الأهداف النهائيّة بين القيادات المقرّرة لـ"جبهة الممانعة" وقسم أخير بسبب صعوبة التواصل بسبب إختلاف اللغات بين الحلفاء من روس وسوريّين وإيرانيّين. إلّا أن التباين الكبير الذي يصحّ تسميته خلافاً وقع قبل أشهر. إذ كان الرئيس الأسد و"حزب الله" وإيران ممثّلة بسليماني يريدون بعد إنقاذ الأسد من الانهيار تحقيق نجاحات وانتصارات أخرى مهمّة منها مثلاً استعادة نبّل والزهراء وهما قريتان تهتمّ إيران بإنقاذهما من الحصار لأنّهما شيعيّتان ولأنّهما ترفدان من يقاتل التكفيريّين بأعداد كبيرة من المقاتلين. وكان الأطراف الثلاثة يريدون أيضاً استعادة حلب وريفها الجنوبي حيث تقع أيضاً قريتان شيعيّتان أخريان ضروريّتان لتعزيز العديد المقاتل ولتسهيل السيطرة على حلب والوصول لاحقاً إلى الحدود السوريّة مع تركيا، الأمر الذي يعزّز أمل "النظام" وأسده في استعادة كل سوريا. وحصل اتّفاق على ذلك مع روسيا. لكنّه لم ينفّذ. لماذا؟