لأن الخير كل الخير قد يكمن في ما نتصوره بجهلنا شر لنا، هكذا تعلمنا التجربة وهذا طبعا ما يعتقده المؤمنون بأن الله سبحانه هو مدبر الاحوال، ففي موروثنا الشيعي القديم المتجدد كل عام حول إمامنا العليل زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام يقول أرباب السيرة أن في اليوم العاشر من المحرم سنة 63 للهجرة أصاب الامام زين العابدين مرض شديد أقعده عن نصرة أبيه الامام الحسين فحال هذا المرض بينه وبين قتاله في واقعة كربلاء حيث الاستشهاد والقتل كما كل أصحاب الحسين وأهل بيته هو المصير المحتم .
ويزيد قراء العزاء في كل عام أن إصابة علي بن الحسين بهذا الداء العضال لا يخرج كونه تدبيرا الهيا انقذ الله بسببه الامام الرابع من الائمة الاثنى عشر فحفظ بذلك نسل أهل البيت واستمرت سلالة الحسين وحفظت بفضله السلسلة الذهبية من ائمة اهل البيت الاطهار.
وبالعودة الى صديقي الطيب اسماعيل زهري ابو خليل، لا أراه خارج هذه المعادلة الالهية، فمن يعرف ابو خليل لا يشك للحظة أنه رجل رباني لا يفكر كما نفكر نحن البشر ولا يعنيه ما يعنينا، وبأنه مخلوق من طينة أخرى هي أقرب ما تكون الى طينة الملائكة، ولا مبالغة إذا ادعيت انه مخلوق من نور. 
بداية مشوار معرفتي به كانت في المعسكر رقم 4 من معتقل انصار الاسرائيلي، وكان معي بنفس الخيمة مع مجموعة من الشباب المعتقلين من نفس القرية، حتى صار يطلق على خيمتنا تسمية " خيمة أهل كفرصير " وكان أبو خليل رحمه الله وحده غير كفرصيري .
ولأن المعتقل وظروف الاعتقال والسجن هي من افضل الاماكن على الاطلاق التي تشكل مختبرا حقيقيا تعرف فيه حقيقة الانفس وجوهرها، وتستطيع أن تغور إلى أعماق أعماق من هم حولك ومعك ، تكتشف مدى صبره، حجم صلابته ، كرمه ، سمو روحه، إيثاره وحبه للآخر، تستطيع بسهولة أن تتعرف إلى حقيقة من هم حولك ومعك، فالمعتقل كما يعرف كل من خاضوا تجربة الاعتقال هو خير امتحان، لكشف حجم إيمانك بالقضية التي بسببها أنت موجود داخل الاسلاك الشائكة في قبضة عدوك .
ولان رفيق الاعتقال يتحول إلى أكثر بكثير من أخ حميم، حتى وإن باعدت بينكما ظروف الحياة بعد الافراج، فبمجرد اللقاء ومن النظرة الاولى تستحضر كل دقائق المعتقل مهما بعد زمنها، وهذا تماما ما كنت استشعره عند كل لقاء مع ابو خليل ،، فتحضر الخيمة والانتفاضة والفرشة والجلي والسهرات الليلية والاناشيد وحصة التموين والاف الحكايات والوجوه والاسماء .
خرج أبو خليل كما خرجنا من معتقل انصار بعد الانسحاب الاسرائيلي، التحق كما الكثيرين بصفوف المقاومة الاسلامية واستمر بمقارعة العدو اللئيم، كانت المقاومة تمشي بعروقه وروحه وكل خلجاته، فصارت وكأنها هو. 
سمعت عن مرضه العضال ( سرطان بالكلية ) منذ حوالي ست سنوات عام 2010 وكنت لا أراه إلا لمما، وأرى في عينيه التعب وعلى وجهه حكاية الوداع وبسمة الفراق وضحكة التعب التي يخفي فيها جبال من الالم لا يريد أن يتحسسها الآخرون حتى لا ينزعجوا أو يتأذوا عليه 
بعد رحيله منذ أيام، حزنت كثيرا كثيرا، وشعرت بأني افتقد شيئا من تاريخي من عمري ومن ذلك الزمن الجميل (المقاومة)، أحسست وكأن الطيبين لا مكان لهم على هذه الارض، وانزعجت أكثر حين قرأت بعد الاخبار الكاذبة التي طالته وادعت أنه قد قتل في سوريا أو أن مرضه السابق على الاحداث السورية إنما كان أصابه بسببها ،،،، ولوهلة كدت أصدق هذه الاخبار لكثرة تداولها، فرحت أتلمس الحقيقة وأسأل الاصدقاء المشتركين وأنا لا أشك لحظة أن أمثال أبي خليل لا يمكن أن تكون خاتمتهم إلا كبداياتها وان ينتقل الى ربه كمقاوم ولا يمكن أن ينزلق إلى خنادق مظلمة لا قبل له فيها ،، وأن يد الله لا تترك صاحب هذه النفس الزكية ولو كان إقعاده وإنقاذه من خلال المرض كما إمامه زين العابدين ، ومن يدع غير ذلك فقد ظلمه .