تركز إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما كافة جهودها في الأشهر الأخيرة المتبقية من الولاية الرئاسية الحالية على ملف محاربة تنظيم داعش، كما أن لملف الإرهاب أولوية "مفاجئة" لدى الرئيس كما لدى الحزب الديمقراطي عشية الانتخابات الرئاسية في خريف العام الحالي.
ويرى خبراء عسكريون أن نشاطاً دبلوماسيا مكثّفا لوحظ في الأشهر الأخيرة باتجاه وجهات متعددة في العالم تصبّ كلها باتجاه هدف القضاء على التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، وأن تقدم المداولات حول التنسيق العسكري غير المسبوق بين الولايات المتحدة وروسيا تمليه حاجة العالم كما حاجة واشنطن إلى طيّ سريع وحاسم لهذا الملف.

ولفت المراقبون إلى اندفاع وزير الخارجية الأميركي جون كيري لملاقاة نظرائه الأوروبيين في لندن قبل أيام من انعقاد مؤتمر ضمّ وزراء خارجية ودفاع 30 دولة منضوية داخل التحالف الدولي لمحاربة داعش والذي انعقد في واشنطن مؤخراً، ولاحظوا أيضا تعجّل واشنطن في إرسال بريت مكغورك مبعوث الرئيس أوباما لدى التحالف الدولي بعد ساعات على انتهاء أعمال المؤتمر إلى الإمارات والسعودية.

ورأى دبلوماسيون عرب حضروا مؤتمر التحالف في واشنطن أن المقاربات الجديّة والنشطة التي تعتمدها واشنطن، تستند على توفير كافة السبل لمواكبة العمليات العسكرية المقبلة بآليات سياسية وإنسانية توفّر للجهد العسكري أرضية صلبة للنجاح.

وكانت مداولات واشنطن واضحة في السعي لإطلاق عجلة حلول لمواجهة استحقاقات ما بعد طرد داعش من الموصل في العراق ومن الرقّة في سوريا في الجانبين السياسي والإنساني، وأن تضافر الجهود الإقليمية في هذا الصدد بات ضرورة لنزع فتائل التوتر التي تنتج إرهاباً وتوفّر بيئة حاضنة له.

وقال مكغورك إن أيام سيطرة تنظيم داعش على أراض شاسعة قد ولّت.

وفي لقاء خاص مع قناة “سكاي نيوز” عربية قال مبعوث الرئيس الأميركي إن استراتيجية التحالف الدولي للفترة المقبلة تركز على تشريك السكان المحليين في محاربة داعش، لتحقيق نتائج قوية، وأن الرئيس أوباما أمر بنشر ثلاثة آلاف من القوات الخاصة لهذا الهدف.


بريت مكغورك: نركز على تشريك السكان المحليين في محاربة داعش
ويعتبر المراقبون أن للإمارات دورا أساسيا في العمل على القضاء على الإرهاب في المنطقة، ذلك أنها في مقدمة الدول التي أعلنت موقفا حازما وحاسما لا لبس فيه في رفض التطرّف الذي ينتجه الإسلام السياسي بكافة نسخه، وأنها ربما تفرّدت بموقف صارم مطلق لم يساوم في هذا الموضوع.

وإذا ما اعتبر هذا الموقف مبدئيا لا يتعايش مع أصول السياسة وألاعيبها، فإن جذرية أبوظبي في هذا الملف باتت اليوم مـحجا عملياً ونظريا لكل العاملين على القضاء على التطرف الجهادي وتوابعه.

وتكشف مصادر أميركية أن زيارة ماكغورك لأبوظبي والتي لم يرشح عنها ما هو رسمي علني، تهدف إلى استكشاف سبل فكّ عقد المنطقة وتسهيل التواصل بين تياراتها في ميادين التوتر الملتهبة في العراق وسوريا كما في ليبيا واليمن. وتذكر هذه المصادر أن واشنطن تعمل مع الفرقاء المعنيين على إيجاد أرضية مشتركة تنهي التناقض الإقليمي الذي قد يستفيد منه داعش.

وترى واشنطن أن العلاقات الإقليمية والدولية التي نسجتها أبوظبي تمكنّها من أن تلعب دوراً مفصلياً في الحرب ضد الإرهاب.

وتسرّب بعض المصادر الدبلوماسية أن واشنطن ترى في الدور الذي تلعبه أبوظبي في علاقاتها المتميّزة مع دول الخليج ومصر وروسيا ما يمكّنها من أن تكون نقطة تقاطع مهمّة مع محاور دولية وإقليمية أخرى.

واعتبرت هذه المصادر أن سياسة أبوظبي تمكنّها من التحرك الدبلوماسي الرشيق بين كافة الأطراف على نحو يعمل على تخفيف حالات التوتر والخلاف بين الخطوط السياسية الإقليمية.

ويأتي إعلان واشنطن عن أن زيارة ماكغورك تشمل أبوظبي والرياض ليؤكد فعالية الثنائي السعودي الإماراتي في العمل على توطيد تحالف مطلق في كافة ميادين العمل المشترك. وتروم واشنطن أخذ وجهة النظر الخليجية بالرؤى التي تمثلها السعودية والإمارات في المداولات الجارية في اليمن وسوريا، كما في طبيعة الخطط التي ترسمها واشنطن وموسكو في محاربة داعش والنصرة.

وترى واشنطن أن الدور السعودي أساسي ولا يمكن تجاوزه في الملف السوري، لا سيما أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ما برح يؤكد ثوابت الرياض في إبعاد الرئيس السوري بشار الأسد عن أيّ دور في الحلّ المستقبلي لسوريا.

وتأتي زيارة ماكغورك في هذا الإطار لاستطلاع موقف الرياض بعد التصريحات الأخيرة للجبير والتي أعلن فيها أن بلاده قادرة على إعطاء دور أكبر لروسيا في الشرق الأوسط.

لكن مصادر متابعة لملف الإرهاب استبعدت أن يناقش المبعوث الأميركي ملفات سياسية تتجاوز ملف محاربة داعش، ذلك أن مسؤوليته تنحصر في متابعة هذا الملف، لكن تلك المصادر أضافت أن محادثات ماكغورك لا تقتصر فقط على المسائل التقنية المتعلّقة بما تقرر في اجتماع الرياض، بل إن استطلاعات المقاربات السياسية الجديدة لدى الدولتين هي من صلب مهماته في تعبيد كل الطرق لمحاصرة الإرهاب في ظاهره وجذوره.

صحيفة: العرب