احتدم الجدل بين قوات البيشمركة الكردية ووزارة الدفاع العراقية بشأن المعركة الوشيكة لاستعادة مدينة الموصل من يد تنظيم داعش، مبرزا ما للمعركة من أهمية في ترتيب أوضاع العراق في مرحلة ما بعد التنظيم، بما في ذلك وضع الأكراد إزاء الدولة العراقية وحدود إقليمهم الذي يجاهرون بالرغبة في إنشاء دولة مستقلّة على أراضيه، حيث لم يتردّد الزعيم الكردي مسعود البارزاني في القول أثناء انطلاق الحرب ضدّ داعش في العراق بمشاركة فاعلة من قوات البيشمركة، إنّ حدودها ترسم بالدمّ.
وكانت القوات الكردية قد استفادت من الانهيار المريع للقوات المسلّحة العراقية أمام الزحف المفاجئ لمقاتلي داعش صيف العام 2014 على الموصل ومناطق محيطة بها في شمال العراق، لتبرز كقوّة وازنة استطاعت أن تواجه التنظيم، وتمكّنت لاحقا من انتزاع مناطق من يده لا تبدو بوارد الانسحاب منها خصوصا تلك المحسوبة ضمن المناطق المتنازع عليها والداخلة ضمن المادة 140 من الدستور العراقي.

وتريد تلك القوات اليوم أن تنتزع لها دورا محوريا في المعركة الفاصلة ضدّ داعش في محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل مستفيدة من الدعم الأميركي لها والذي يهدف بحسب متابعين للشأن العراقي إلى ملء الفراغ أمام ميليشيات الحشد الشعبي التي تعتبر أذرعا إيرانية، والتي لم ييأس قادتها من محاولة انتزاع مكان لها في المعركة ذاتها، رغم اعتراضات سكان المحافظة ونفورهم من السمة الطائفية لتلك التشكيلات المسلّحة.

ووقّعت إربيل وواشنطن في الثالث عشر من الشهر الجاري مذكّرة تفاهم تتولى وزارة الدفاع الأميركية بمقتضاها تقديم مساعدات عسكرية ومالية تقدر بـ450 مليون دولار لقوات البيشمركة الكردية لحين انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش.

واستدعى الأمر توضيحا من قبل وزارة الدفاع العراقية التي أكّدت أنّ المذكرة لا تتضمن إقامة قواعد عسكرية للجانب الأميركي أو التحالف الدولي أو أي أمر سيادي يكون من صلاحية الحكومة الاتحادية، مبينة أنّها تنصّ على انسحاب قوات البيشمركة وقوات إقليم كردستان الأخرى من المناطق المستعادة في محافظة نينوى بحسب جدول زمني تقره الحكومة العراقية.

ولم يرق هذا الجزء الأخير من التوضيح لقوات البيشمركة الكردية التي ردّت، الأحد، ببيان أكدت فيه أنها لن تنسحب من المناطق التي “حررتها” قبل عامين، مهدّدة بوقف التنسيق مع القوات العراقية.

منافسة ميليشيات الحشد على دور في معركة الموصل تتم لحساب إيران وتهدف إلى تأمين حضور عسكري لها بالوكالة
وقالت وزارة البيشمركة في بيانها إن “وزارة الدفاع العراقية نشرت توضيحا بشأن مذكرة التفاهم بين وزارة البيشمركة ووزارة الدفاع الأميركية”، مبينة أن “توضيح وزارة الدفاع العراقية أظهر بأن البيشمركة ستشارك في المعركة مقابل مساعدة مالية وبموافقتهم (السلطة المركزية) وستنسحب بإيعازهم”.

وأضافت البيشمركة أن “وزارة الدفاع العراقية نشرت بأنه بالتزامن مع تفعيل المذكرة، فإن قوات البيشمركة وقوات حكومة إقليم كردستان الأخرى ستنسحب وفق خطة زمنية من المناطق المحررة بنينوى”، موضحة أن “الصحيح هو أن قوات البيمشركة والقوات الأخرى لحكومة إقليم كردستان العراق ستنسحب من المناطق المحررة خلال عمليات نينوى المقبلة ووفق خطة زمنية معينة وبموافقة الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وأن هذه الفقرة لا تعني أن البيشمركة ستنسحب من المناطق التي حررتها خلال العامين الماضيين، وإنما عملية الانسحاب ستشمل مدينة الموصل فقط”.

وتابعت وزارة البيشمركة “نبلغ جميع الأطراف بأن بندقية البيشمركة ليست للإيجار”، مؤكدة أن “إطلاق النار من فوهة بندقية البيشمركة يتم بقرار من شعب كردستان ولأجل مصلحته ولا ينتظر موافقة أي شخص”.

وأشارت البيشمركة إلى أنه “من الخطأ أن تفكر مجموعة من الأشخاص في بغداد بأن بندقية البيشمركة للاستئجار وأنها تنطلق بشروطهم وموافقتهم”، مهددة في الوقت نفسه بأنه “في أي وقت نشعر بوجود معاملة لا تليق ببطولات وتضحيات البيشمركة سيتم إيقاف التنسيق المشترك مع القوات العراقية”.

ودخلت الميليشيات الشيعية العراقية على خطّ السجال بين البيشمركة الكردية ووزارة الدفاع العراقية، باعتبار أن تلك الميليشيات المنضوية ضمن الحشد الشعبي معنية بالمنافسة على دور في معركة الموصل يرسّخ أقدامها بشكل نهائي على الخارطة العسكرية في العراق، ويؤمّن حضورا ميدانيا فاعلا لداعمتها الأساسية إيران.

وحذرت حركة “عصائب أهل الحق”، الأحد، من إشراك البيشمركة في المعركة، داعية في المقابل إلى اشتراك فصائل الحشد الشعبي.

وقال المتحدث العسكري باسم العصائب جواد الطليباوي في بيان “نحذر من مغبة الموافقة على إشراك البيشمركة في معركة تحرير الموصل”، مؤكدا أن “اشتراك فصائل الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل سيساعد على الإسراع قي تحقيق النصر”، ومضيفا “مشاركة الحشد الشعبي ستفوت الفرصة على الطامعين في أرض الموصل”.

وتعقيبا على الجدل بين بغداد وإربيل بشأن معركة الموصل، اعتبر التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، الأحد، أنّ الخلاف بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان بشأن المناطق المستعادة التي تسيطر عليها قوات البيشمركة، خلاف سياسي.

وقال المتحدث باسم التحالف العقيد كريستوفر جارفر في حديث لموقع السومرية الإخباري إنّ “الحكومة الاتحادية ستقوم بمراجعة الموضوع ومعالجته”.

وعرّج ذات المسؤول على الدور الميداني المتزايد للولايات المتحدة في الحرب ضدّ داعش بالعراق مع اقترابها من مرحلتها الحاسمة، مشيرا إلى أن عدد أفراد التحالف لقتال تنظيم داعش في العراق سيبلغ بعد وصول الـ560 جنديا الذين قرّرت واشنطن إضافتهم إلى قواتها في العراق، إلى سبعة آلاف جندي لا يشتركون في القتال بشكل مباشر، وإنما من خلال تدريب القوات العراقية وتقديم الدعم لها.

وبدت الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة وقد أمسكت بزمام معركة الموصل بشكل كامل، وأنها صاحبة اليد العليا فيها والقرار النهائي بشأنها.


صحيفة العرب