لا يشكل المشهد السياحي الذي تشهده المناطق اللبنانية وسط فورة المهرجانات الجانب الوحيد من جوانب السباحة عكس التيار الداخلي المأزوم بل يتجاوزه الى الأبعد المتصل بطبائع لبنانية لا تزال تثبت انها أقوى من كل الأزمات. كدنا نخشى " العين الحسودة " المتربصة بلبنان وسط هذه الفورة والتغني بلبنان "البلد الاكثر امنا" كما ضجت بالشعار مواقع التواصل الاجتماعي محتفية بليالي بعلبك خصوصا وغيرها العشرات. لكأن المبدع العملاق عبد الحليم كركلا لم يخط" طريق الحرير "بفرقتِه فقط بل خط النبض اللبناني الحقيقي الساخر بكل ما امتهنته السياسات والفزاعات فشد رحال الناس الى بعلبك في الذكرى الستين لمهرجاناتها الدولية على مقربة اقل من شهر من هجمة ارهابية انتحارية على الجارة الجريح القاع كأنه يسكب العزاء عليها. ليس في الامر نزعة وجدانية لان ظاهرة ثقافية زاهرة في لبنان ليست بعيدة عن طبائعه وتقاليده حتى في عز الحروب. نثير الامر من زاوية التساؤل عما كان ليكون عليه لبنان لو لم يكن أسير أزمات صنعتها السياسات الداخلية في المقام الاول ؟ قلنا ونكرر اننا نخشى العين الحاسدة ولكن ثمة ما هو أسوأ من هوس بالخوف على الامن والاستقرار. الخشية من استحالة ارتفاع السياسات الى مستوى الناس وشجاعتهم وتوقهم الى الحياة يستوجب ما يفوق الخرز الأزرق. بلد بلا رئيس للجمهورية، وبلا مؤسسات فاعلة، يسبح بحمد الجيش والاجهزة الامنية فقط، متروك خارجيا ومأزوم داخليا الى مستويات قياسية، ومع ذلك يقبل بولع على التحدي. لسنا نتوهم بان شهرين من المهرجانات الفنية ستقيل الاقتصاد الغارق في مستويات عجز خيالية من وقعته. ولا نسقط الخوف من تربص الارهاب وخلاياه عند الحدود وفي الداخل في أي لحظة. ولسنا نسكر على زبيبة التغني الخطرة ببلد صار فجأة الاكثر امنا لمجرد ان مخالب الارهاب الانتحاري تضرب في انحاء أخرى من العالم. مع ذلك لا نملك تجاوز ما يثبته كل هذا وهو ان تحييد لبنان بالحدود الدنيا عن زلازل المنطقة كان ولا يزال امرا متاحا لو لم تكن هناك سياسات آسرة تحكم الطوق على خناق اللبنانيين اذ يتبين انه يراد للبنانيين ان يستسلموا على وقع الفزاعات والأساطير الكاذبة. ان مرور اكثر من سنتين وثلاثة اشهر على ازمة تفريغ الرئاسة والدولة بات كافيا وحده لاسقاط الاقنعة عن هذه اللعنة المدبرة التي لولاها لكان لبنان الآن في فلك مختلف تماما. ولعلنا لا نطلب ما يفوق قدرة من لديهم القدرة على الإجابة ان سألنا؛ هل تراكم لا تزالون واهمين بان الفزاعات والأساطير السخيفة قابلة للصرف مع لبنانيين يسخرون بالأخطار الحقيقية ويواجهونها بأفضل الوجوه وأكثرها مدعاة للإعجاب والاحترام؟

 
نبيل بو منصف