لا أريد أن يصبح حالي كحال أختي الكبرى”، هذا ما قالته “جنان” الجامعية التي تعمل معلمة في معرض تبريرها لزواجها من شرطي، وهي التي كانت تحلم بفارس أحلام يليق بها، وفق المفهوم الاجتماعي السائد، لكن الحال تغيرت، والعريس لم يعد وراء الباب، كما كانوا يقولون، بل أصبح سلعة نادرة في هذا الزمان. مضيفة : “من يتزوج ؟ لا أحد! كل الشباب تبخروا، لقد كنت  شبه مخطوبة قبل اندلاع  الثورة، لكنه هاجر إلى بلاد بعيدة وذهب كل منا في حال سبيله”.        

مصطلح العانس


تعتبر جنان نفسها محظوظة بشكل أو بآخر، على عكس أختها والكثيرات ممن حولها ممن لم يجدن أحدا يطرق بابهن، وبقين في بيوت الأهل تحت  وَسْم كلمة “عانس” المهينة للشخصية الأنثوية في مجتمع ذكوري، وتتضاءل آمالهن يوما بعد يوم في إيجاد عريس في هذا الظرف القاهر.

ومقابل مصطلح العانس يميل المجتمع والباحثون إلى إطلاق مفردة العازب أو العازف عن الزواج على الذكور الذين تأخروا في الزواج.

ظاهرة العنوسة
ليست ظاهرة العنوسة  أو ارتفاع سن الزواج كمصطلح بديل، شيئا جديدا على المجتمع السوري، فتبعا لمسح قديم  صادر عن صحة الأسرة  في مركز الإحصاء لعام 2002 ،كانت واحدة من أربع فتيات  تعاني من هذه الظاهرة على اعتبار سن الزواج عند الشباب 30 عاما وعند الفتيات 26 عاما، فيما كانت اعلي منها عند الذكور وتبلغ 29،4%، أما الآن فتشير التقديرات إلى ارتفاعها الشديد لتصل إلى ثلاثة من أصل أربع فتيات تعانين من هذه الظاهرة، ولتحتل سوريا المركز الثاني عربيا بعد لبنان.

وهو ما عبرت عنه “الديلي ميل” في تقرير لها نشر الشهر الماضي بعنوان الحرب السورية خلفت نساء محرومات جنسيا، فحسب شهادة فتاة في التقرير تقول:” نسبة الرجال إلى النساء في محيطها هي نسبة ثلاثة الى عشرة”.

 

من جهتها الباحثة الاجتماعية ايفا عطفة أشارت إلى ارتفاع سن الزواج عشر سنين  نتيجة الأوضاع السائدة، ليتحول من 26 عند الشباب إلى 37 عاما، وكذلك عند الإناث من ال23 عاما إلى 32 عاما.

وفي دلالة بصرية ، يكفيك الآن أن تتفحص الطرقات والأسواق السورية، ووسائل النقل العامة لتدرك الخلل الكبير في بنية المجتمع لصالح نسبة النساء المتزايدة، على حساب نقص الرجال، وتحديدا من الفئة العمرية ما بين العشرين والخمسين، كما لا يمكن أبدا تجاهل ملامح التعب، وتعابير القهر الواضحة على ملامحهن، مهما حاولن إخفاءها بوسائل التجميل الأنثوية، أو عبر التظاهر بالقوة والتماسك.

أسباب ازدياد الظاهرة
هدى البالغة من العمر 42 عاما تقول “لقد كان لدي أمل في السنين الماضية بإيجاد عريس، أما الآن فلا حظ لي، ولا قدرة لي على المنافسة أمام الأصغر سنا في ظل كساد الزواج، أما رانية البالغة من العمر 39 عاما فقد لخصت المأساة بشكل مكثف” حتى أولئك الذين لم يهاجروا (تقصد الشباب) لم يعد بوسعهم الزواج”.

ببساطة شديدة يمكن تلمس آثار الحرب المدمرة التي شنها النظام ، وسفر الشباب، وسحبهم إلى الجيش،واعتقال العديد منهم، و البطالة، وغلاء تكاليف المعيشة المرعب،  كأسباب مباشرة وراء ارتفاع نسبة ظاهرة العنوسة المتزايدة، فتكلفة المحابس المتواضعة تصل إلى 150000 ل.س، فيما أسعار غرف النوم تقارب النصف مليون، والبراد المنزلي يتجاوز الربع مليون.

وكان عدد الزيجات السنوية قد انخفض من ربع مليون عام 2010 إلى 150000 حالة عام 2015 كما أعلن القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي، لكن هذه الارقام خادعة، ولا تعبر عن الواقع لأسباب كثيرة  وهي أن 60% من هذا العدد كان عبارة عن تثبيت حالات زواج عرفي سابق، كما أعلن المعراوي لوسائل الاعلام، بالإضافة إلى أن العام الماضي تحديدا، شهد اكبر نسبة زواج ورقية، من أولئك الذين هاجروا ليستفيدوا منها في لم الشمل، مما يعني أن كثيرا منها لا يمكن إدراجه على ارض الواقع ضمن أرقام الزواج الفعلية.

عرض من “سيرياتيل”
قدم فردا من العائلة واحصل على عرس مجاني!.. يدرك النظام عمق الأزمة التي سببها للمجتمع السوري لكنه عاجز إزاءها حتى لو أراد، وكعادته يعمل إلى إحداث بالونات إعلامية هدفها امتصاص النقمة، فلقد أعلنت الصفحات الموالية عن عرس جماعي مجاني لم تحدد تاريخه برعاية السيرياتل وجمعية البستان التابعة لرامي مخلوف، و يستفيد منه ذوي قتلى الجيش على أن يكون العريس حكما ضمن صفوف القوات المسلحة التابعة لهم، وبالطبع لم يسلم الإعلان من السخرية فقالت إحداهن:” مو مهم العرس، المهم ينوجد العريس”، فيما علق آخر:” هل على أحد أفراد أسرتي أن يستشهد لاستفيد من هذه الفرصة”؟.

تشكل العنوسة ونسبها المرتفعة شاهدا ودليلا على حجم الدمار والخراب الذي أصاب البنية السورية، والتي سيكون لها ارتدادات وانعكاسات على مجمل الصعد الإنسانية والأخلاقية والاقتصادية لاحقا، وهي دليل على فقدان المجتمع لحيوته الداخلية وسيره نحو الهاوية والموت البطيء.

وبالطبع لا تطال العنوسة النساء وحدهن بل هي مشكلة عامة تتعلق بالجنسين معا، لكن غالبا ما يتم التركيز على النساء فيها، بسبب علاقة الحالة العمرية مع الخصوبة، ولان حجم تأثيرها الكارثي عليهن نفسيا واجتماعيا أعلى، وأكثر وضوحا.

هكذا تماما تبدو اللوحة في عيون السوريين  الإحياء الناجين من موت البراميل ونظامه،  ينخفض متوسط عمر السوري عشرين عاما ليصل الى 54 عاما، وذلك وفق تقارير الأمم المتحدة، ويرتفع سن الزواج ليصل إلى عمر 37 عاما، وقد لا يحصل أبدا.

 

أورينت نت