لفّ الحزن بلدة القاع الحدودية أمس، وزُيّنت سماؤها بالشرائط البيضاء لإستقبال الشهداء الخمسة الذين سقطوا على أرضها، دفاعاً عن الوجود، وفداءً للبنان الذي لا يزال يتحمّل مشقات وتبعات الأزمة السورية والحرب المفتوحة مع الإرهاب، والتي سقط خلالها أبرياء على مساحة الوطن بكامله من قاعه حتى شماله.

لا تزال بلدة القاع وجهة الإعلام على مدى ثلاثة أيام بعد إثنينها الدامي، ولا يزال الخطر يحدق بها وفق ما يقول الأهالي على رغم كلّ الإجراءات المتَّخذة من الجيش، وخوفهم من أيّ إستهداف جديد بقي على حاله، وإن كان السلاح قد خرج من الشارع ليبقى جاهزاً خلف الأبواب، وعندما تدق ساعة الواجب.

يخَيَّل للوافد إلى بلدة القاع بأنه يدخل إلى منطقة عسكرية مفروض فيها حظر تجوال وإعلان حال طوارئ، نظراً للإجراءات المشدّدة التي يتخذها الجيش على مداخل البلدة وصولاً إلى المشاريع وما بينهما من بلدات، حيث أقام حواجز ثابتة ومتنقلة، ودقّق في هويات المارة والسيارات، وسيّر دوريات في المنطقة، بالتوازي مع تعزيزات كبيرة أُقيمت في المراكز التي تتولّى أمن الحدود والمعابر الشرعية وغير الشرعية من عرسال حتى القاع مروراً برأس بعلبك وغيرها. كذلك شدّد الجيش من إجراءاته على مخيمات النازحين في المنطقة خوفاً من لجوء إنتحاريين إليها.

أما حال الأهالي فلا يختلف عن مشهد يوم الإثنين، تخوّف وترقّب وسط إجماع على التمسّك بالأرض، وإن كانت الضربة التي تلقتها البلدة هي الأعنف، فيما يبقى النازحون السوريون الذين يعيشون في مشاريع القاع، التي هي في الأساس ملك البلدة هاجسهم الأوّل.

الحركة في البلدة كانت خجولة جداً إلّا في الحالات الطارئة والضرورية مثل تأمين الحاجات والوقوف إلى جانب ذوي الشهداء ولا سيما مع توالي زيارات السياسيين والشخصيات للتعزية بالشهداء والتعبير عن التضامن معها.

ومتابعةً للوضع الأمني ترأس محافظ بعلبك- الهرمل بشير خضر مجلس الأمن الفرعي في مركز المحافظة. وأكد أنّ «الجيش اللبناني يقوم بمسحٍ للنازحين السوريين، ولا يقصّر نهائياً»، موضحاً أنّ «قرار منع تجوّل النازحين السوريين في بلدتَي القاع ورأس بعلبك الذي اتخذته يوم الاثنين ليلاً بعد التفجير الثاني، أراح في الدرجة الأولى أهل القاع ومنحهم الطمأنينة، وهو في الدرجة الثانية حمى النازحين السوريين الشرفاء الأبرياء، فنحن نرفض التعميم من أيّ شخص وكأنّ النازح السوري هو إرهابي، ونعتبر أنّ النازح السوري هو ضيف وكرامته مقدّسة عندنا، ولكن عليه أن يتفهّم أن أمن الوطن، وأمن المواطن اللبناني هو فوق كلّ اعتبار، وهم كانوا متفهّمين ومتضامنين، ونحن حميناهم بالقرار الذي أصدرناه لأننا تجنّبنا أيّ ردة فعل كان من الممكن أن تحصل ضدّ النازح السوري، خصوصاً أنه كان هناك انتشارٌ كثيف لأهالي القاع، وأنّ الكثير من الإرهابيين لم ينجحوا بعمليّتهم الانتحارية بعدما اصطدموا بإطلاق النار عليهم».

وأشار خضر إلى أنه اتخذ «قراراً بمنع سير الدراجات النارية في كلّ محافظة بعلبك الهرمل، باستثناء المؤسسات من بعد الحصول على ترخيص من المحافظة». وأضاف: «بالنسبة إلى إمكانية إعادة تموضع النازحين، فإنّ هذا الموضوع ستتمّ مناقشته مع منظمات الأمم المتحدة ولا سيما الـUNFCR، وسنرى الإمكانات المتوافرة كونه بات مطلباً عند بلدات كثيرة».

وأكد وجوب «اتخاذ القرار الصحيح من دون الانجرار إلى ردات فعل، والهدف الذي كان مرجوّاً من التفجيرات فشل، فلم ننجرّ إلى أيّ مواجهة لبنانية- سورية داخل المخيمات وداخل البلدات، بل برهن المواطن اللبناني بأنه يتحلّى بدرجة عالية من الوعي، والإرهابي لا يمثل إلّا نفسه، والارهاب لا دين ولا طائفة ولا هويّة له، والإرهاب الذي طاول طرابلس هو نفسه الإرهاب الذي طاول جبل محسن والقاع والضاحية وكلّ لبنان، والنازحون السوريون يجب أن يتعاونوا معنا، وهم يتعاونون، لنقضي على الإرهاب الذي يطاول اليوم ليس لبنان فقط، بل بلداناً عدة».

 

عيسى يحيى