كشفت هجمات الإرهابين الأخيرة على بلدة القاع اللبنانية الوادعة، أزمة  التداخل بين مهام وصلاحية الدولة اللبنانية من جهة، والمقاومة الإسلامية التي يقودها حزب الله من جهة ثانية، وقد ظهرت بوادر هذه الأزمة في حالة الارباك التي خلّفها الهجوم، فالهجوم وقع على بلدة مسيحية، وهذا ما زاد في تعقّد الوضع الداخلي، وتعالي صيحات التأهب لمواجهة الخطر الداهم، وهذا ما يستدعي استكشاف حدود التداخل والافتراق بين سلطة شرعية تتمثل بالدولة اللبنانية، وسلطة تنازعها الشرعية هي المقاومة الإسلامية.
أولا: الدولة اللبنانية..
من نافل القول أنّ الدولة في حالة إرباك تام، فهي تخلّت لمدة تزيد على عقدين من الزمن عن سيادتها واحتكارها لامتلاك السلاح، وبالتالي قرار السلم والحرب، وقبلت مزاحمة حزب الله لها في هذين الموضوعين السياديين، حتى إذا ما هبّت عاصفة من عواصف المنطقة الملتهبة، وقفت الدولة بمؤسساتها وجيشها وأجهزتها الأمنية حائرة بين سلطتها المفترضة وسلطة المقاومة المسلحة، وتجلت في الأزمة الأخيرة عن حمل المواطنين المسيحيين السلاح، بعد أن فقدوا إيمانهم بدولتهم ، وبمقدرتها على التصدي لاختراقات أمنية خطيرة مصدرها الحدود السورية.
ثانيا: المقاومة الإسلامية..
يقاتل حزب الله منذ أكثر من ثلاث سنوات في سوريا، وكانت حُجّتهُ الطاغية: منع الإرهابيين والتكفيريين من القدوم إلينا، فضلا عن دعم رأس النظام " المقاوم والممانع"، إلاّ أنّ هجوم أكثر من ثمانية انتحاريين دفعة واحدة، وتفجير أنفسهم في بلدة القاع الحدودية، أظهر مرة أخرى أنّ إشكالية التدخل الحزب اللهي في سوريا  ما زالت محتدمة، فالتدخل الذي طال أمده، ولم يُحقّق نتائج حاسمة وواضحة، عاد ليرتدّ على الداخل اللبناني بانتهاك القوى المتصارعة في سوريا لحدود لبنان ، وزعزعة أمنه واستقراره.
ثالثا: إشكالات الدولة والثورة (أو المقاومة)..
إشكالات عديدة يُثيرها التداخل القديم والدائم بين الدولة و"الثورة"، الدولة والجماعات المنظمة والمسلّحة والتي يعجُّ بها العالم العربي والإسلامي،ونقتصر هنا على العربي ( الإخوان المسلمون، القاعدة، داعش وأخواتها، حزب الله اللبناني، الحوثيّون في اليمن، وأخيرا وليس آخرا، الحشد الشعبي في العراق). ويُؤالف بين هذه الجماعات المنظّمة والمسلحة عدة شعارات ومسميات، تتراوح بين الجهاد في سبيل الله، وإسقاط الأنظمة، ومقاومة الاحتلال، وكلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون، فيزرعون الخراب والحروب والمنازعات الأهلية، حتى باتوا مصدر القلق والانهيار، والاضطراب الهائل الذي تشهده المنطقة العربية شرقيّها وغربيّها.
تتآكل الدول، ويتعاظم خطر التنظيمات المسلّحة ، ويقبع الشعب المغلوب على أمره بين الموت والدمار، أو الشتات في ارجاء المعمورة، بانتظار انفراجات موعودة، لكن يبدو أنّها صعبة المنال في الأفق المنظور.