ردّ أحد أبرز المسؤولين نفسه في تجمّع لغالبية المنظّمات اليهوديّة الأميركيّة بتجاهل تعليقي على "الإرهاب" الإيراني والكلام عن مصر، قال: "عند رئيسها عبد الفتاح السيسي نظرة مهمّة، لكن اقتصاد بلاده سيّئ ومتردٍّ". وختم اللقاء بالعودة إلى تركيا التي راهن الغرب وزعيمته أميركا على اعتدال إسلامية رئيسها أردوغان والحزب الذي أسّسه، وعلى قدرته على المحافظة على الديموقراطيّة التركية والحريّات والعلمانيّة، وفي الوقت نفسه على الاعتماد على نظرائه المسلمين "المعتدلين" ("الاخوان") في العالم الإسلامي لاحتواء التشدّد الإسلامي. وقبل مغادرتي مكتبه قال: "هل تعرف أن أردوغان لا يتحرّك إلا ومعه مئة بل مئات من الحرس؟ يتحرّك كسلطان عثماني حتى خارج بلاده وحتى عندنا في أميركا".
ماذا في جعبة أتراك أميركا وخصوصاً الذين ينتمون منهم إلى "حركة حزمت" التي أسّسها من زمان الداعية الإسلامي التركي فتح الله غولن؟
في لقاء مع مسؤول كبير فيها تناول الحديث بداية الانتخابات الرئاسيّة الأميركية واحتمالاتها، ثم ما شهدته عاصمة بلجيكا بروكسيل من إرهاب دموي أخيراً وأثره عليها وعلى المسلمين فيها. فقال: "يُراوح عددنا في أميركا كأتراك مقيمين وكمواطنين أميركيّين ثلاثمائة أو أربعمائة ألف. حركتنا منظّمة. لنا اتصالات مع الـ F.B.I (إف. بي. آي) وسائر أجهزة الدولة. نتعاون لمنع الأذى. نقيم ندوات وحلقات نقاشيّة وندعو إلى محاضرات. والهدف من ذلك كلّه إبقاء خط الاعتدال الإسلامي سائداً في أوساط أتراك أميركا بل مسلميها كلّهم. وعينُنا دائماً على الشباب الذين يتعرّضون أكثر من الكبار في السن لاغراءات التجنيد من قبل المنظّمات المتطرّفة والإرهابية. في كل الأحوال ان كلام المرشّح الرئاسي الجمهوري تيد كروز عن ضرورة تسيير دوريات أمن وشرطة في أحياء المسلمين الأميركيين على نحو دائم غير مُفيد. وعلى العكس من ذلك فإنه مؤذٍ. علماً أنه ليس هناك أحياء أو مناطق إسلاميّة في أميركا. فالمسلمون مندمجون في إقامتهم وسكنهم مع سائر الأميركيين المنتمين إلى ديانات أو طوائف ومذاهب أخرى. وتنفيذ اقتراح كهذا يسهِّل تجنيد "داعش" وغيره من المنظّمات الإسلامية المتشدّدة شباب المسلمين في أميركا، وهذا أمر خطير للغاية".
سألتُ: ما هي الأخطاء التي ارتكبها مؤسّس حزب العدالة والتنمية في تركيا ورئيسها الحالي رجب طيب أردوغان؟ أجاب: "ضربُ العلاقات الجيدة مع الأصدقاء ومنهم إسرائيل، وطريقة تصرّفه في سوريا. كانت له علاقة حميمة مع الرئيس بشّار الأسد وكان يدعوه أخي ثم صار عدوّاً له. أراد احتواءه والتدخّل في شؤون بلاده. فتحوّلت الصداقة عداء. طبعاً اندلعت ثورة في سوريا وتأثّرت بها تركيا وهذا أمر طبيعي. لكن كان على أردوغان أن يكون واعياً لما يفعل وخصوصاً عند وضع السياسة المتعلّقة بهذا التطوّر الاقليمي". سألتُ: ما هي الأخطاء التي ارتكبها أردوغان وألحقت ضرراً بالعلمانية والديموقراطيّة والاستقرار والجيش والاقتصاد في تركيا؟ أجاب: "الاستقرار تعرّض لنكسات كثيرة كما ترى. صحيح أن تركيا تشهد تنفيذ مشاريع بناء جسور وطرق سريعة وبنى تحتية ومنازل. لكن ليست هناك استثمارات مهمّة في التقنية العالية (Hightech)، وهناك شركات تترك البلاد. الاستثمارات لم تعد تأتي إلى تركيا كالسابق. العملة التركية لا يزال سعرها معقولاً، 2٫3 ليرة في مقابل الدولار الأميركي. لكن لا نعرف كيف يحصل ذلك. كان يفترض أن ينخفض سعرها أكثر جرّاء الأوضاع السائدة في تركيا. لكن هناك مبلغاً ضخماً من المال يراوح بين 4 و5 مليار دولار أميركي يدخل البلاد ولا نعرف مصدره، وهو الذي يبقي العملة على سعرها الحالي المعقول. والاستقرار يتهدّد يوميّاً، اغتيالات وتفجيرات وعمليات انتحاريّة واشتباكات في شرق البلاد مع الأكراد الأتراك. في هذه المنطقة هناك بيوت مهدَّمة بحيث صارت تشبه مناطق سورية مدمَّرة. الداخل إلى هذه المنطقة والخارج منها كأنّه ينتقل من بلد إلى آخر جرّاء إجراءات الأمن والتفتيش. أما الديموقراطيّة في تركيا"، تابع المسؤول الكبير نفسه في "حركة حزمت"، "فقد تأذّت كثيراً بسبب سياسة أردوغان القائمة على مصادرة المؤسّسات الكبيرة. منها اثنتان في شرق البلاد تضم واحدة منها نحو خمسة آلاف موظّف والأخرى بين خمسة وستة آلاف. الصحف صادرها أردوغان أو سجن محرّريها وسيطر عليها وعلى الإعلام المكتوب كلّه ومعه التلفزيوني وهو أكثر ما يهمّه. وسيطر أيضاً على المؤسّسات المصرفيّة والاقتصادية". كيف ضرب أردوغان العلمانيّة؟ بماذا أجاب؟