حمل اللقب الأوروبي للنادي الملكي الكثير من المفارقات التي ستشكل اهمية بالغة وستدون في سجلات التاريخ، وقد يكون لبعضها دلالة واضحة على السعي الدائم للفرق الاسبانية من اجل الفوز بهذه البطولة المميزة التي باتت حاضراً تساوي بأهميتها نهائي الـ «مونديال».
وقد بات النادي الملكي مميزاً ومتخصصاً في خطف اللقب لأسباب كثيرة، أولها انه الأكثر فوزاً به بعد أن عزز رصيده الى 11 لقباً وثانياً أن وصوله الى النهائي جاء على حساب إخفاقاته في الدوري الإسباني وخسارته اللقب ومن ثم خروجه من الكأس بخطأ إداري.
ويبدو أن دور المدافع سيرخيو راموس بتسجيل هدف السبق ومساهمته بآخر في ركلات الجزاء شكل عقدة تاريخية لـ «اتلتيكو»، وبات أشبه بالمنقذ، وكان بالتالي إحدى هذه المفارقات.
زيدان
«نطح» زين الدين زيدان اللاعب الإيطالي ماتيراتزي فكانت النهاية التاريخية المؤلمة له، حيث اعتزل بعدها وانصرف ليفكر بالتدرب وليعوّض هذا الفعل الذي بقي حديث الناس يرافقه لسنوات، فحان الوقت عندما طرق أبواب ناديه السابق «ريال مدريد» ليكون مستشاراً ومدرباً بسيطاً قبل أن يتحول رقماً مهماً مع ناديه في الدوري الإسباني.
لكن الأهم تمثل في الانجاز الكبير للنادي الملكي وهو الذي ادخل مدربه التاريخ من ابوابه الواسعة اذ بات سابع شخص يحقق هذه البطولة بعد الاسباني ميغيل مونوز لاعباً في صفوف «ريال مدريد» عامي 1956 و1957 ومدرباً للفريق الملكي عامي 1960 و1966، والايطالي جوفاني تراباتوني لاعباً في صفوف «ميلان» عام 1963 و1969 ومدرباً لـ «يوفنتوس» عام 1985، والهولندي يوهان كرويف لاعباً في صفوف «اياكس» ثلاث مرات اعوام 1971 و72 و73 ومدرباً لـ «برشلونة» عام 1992، والايطالي كارلو انشيلوتي لاعباً في صفوف «ميلان» عامي 1989 و1990 ثم مدرباً له عامي 2003 و2007 ومدرباً لـ «ريال مدريد» ايضاً عام 2014، والهولندي فرانك رايكارد لاعباً في صفوف «ميلان» عامي 1989 و1990 و «اياكس» عام 1985 ومدربا لـ «برشلونة» عام 2006، وأخيراً الاسباني بيب غوارديولا لاعباً في صفوف «برشلونة» عام 1992 ومدرباً للفريق الكاتالوني عامي 2009 و2011.
وكان زيزو توّج بطلاً لدوري ابطال اوروبا لاعباً في صفوف «ريال مدريد» بالذات عام 2002 في مباراة سجل فيها هدفاً رائعاً حسم اللقب في مصلحة فريقه ضد باير ليفركوزن (2-1).
وللمفارقة فإن زيدان رسخ أقدامه في منصب لم يمض على تسلمه أكثر من خمسة أشهر، علماً بأنه لم يحظ بثقة الإدارة في الصيف الماضي ليتولى الإدارة الفنية للفريق منذ مستهل الموسم.
غير أن مقربين من نجم منتخب فرنسا السابق، أكدوا أنه اكتسب حجماً مختلفاً، لا سيما بعد الدور نصف النهائي، مؤكداً انه «مدرب حقيقي»، ومثبتاً نضوجه التصاعدي منذ ان اعتزل لاعباً قبل 10 اعوام عقب نهائي «مونديال المانيا» (9 تموز 2006)، علماً بأنه اختتم مسيرته المظفرة بنطحه الايطالي ماركو ماتيراتزي، وخروجه مطروداً.
وكشف محيط «زيزو» أنه بداية تردد ان يخلف الاسباني رافاييل بينيتيز، كما تطلب اقتناع بعض الأعضاء في ادارة «ريال» بشخصه وقتاً، على رغم الاقتناع أنه مشروع مدرب للمستقبل. لذا، بقي الشك في الرهان الحالي عليه من منطلق المعادلة «ليس كل لاعب ناجح مدرباً ناجحاً».
ومنذ اليوم الاول، سعى صانع ألعاب منتخب فرنسا السابق الى فرض توازن في تحركات الفريق، وأوكل الى المهاجمين مهمات دفاعية على سبيل المؤازرة، فكان التأهل الى نهائي دور الابطال للمرة الـ14، على حساب مانشستر سيتي، من خلال إيلاء هذه الناحية اهمية قصوى.
كما أن من فصول هذه «المعمودية» وحسن خياراتها، الفوز على «برشلونة» (2-1) في «الكلاسيكو» ضمن الاسبوع الـ30 من الـ «ليغا» (2 نيسان الماضي)، ويومها كان «ريال» على بعد 13 نقطة من الـ «برسا».
ينسج زيدان علاقة صريحة مع لاعبيه قوامها التواصل السلس والمباشر. وخلال حواراته معهم، يتجنب التفاصيل حتى في ما يتعلق بشؤون الكرة، مصوبا البوصلة دائما نحو التطلعات والأهداف الجماعية، حتى أنه حاصر الـ «أنا» والاعتداد بالنفس اللذين يشتهر بهما نجم الفريق البرتغالي كريستيانو رونالدو.
ويتفق افراد الفريق على أن مدربهم شخص متواضع يتقن الإصغاء، ما يسهل الأمور ويذلل عقبات بحجم جبال. ويجاهر رونالدو بمؤازرته متمنياً بأن تبقى القيادة معقودة له. ويثني البرازيلي مارسيلو على تصرفاته التي تتصف بالوضوح، ويضيف: «نحن مخلصون له لأنه يمقت المواربة».
وضع «زيزو» حداً لانعكاسات الحادثة المشؤومة فعاد مدرباً له بريقه مثلما كان لاعباً يتفنن ويمتع كل الساحات.
(«السفير» ـ أ ف ب)