سيرة النبي وآله ترفض ثقافة اللعن 

  قال رسول الله صلى الله عليه وآله :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فالسب واللعن والشتيمة تتناقض وأخلاقيات الأنبياء والأولياء حيث يقول الله تعالى :
  { وإنك لعلى خلق عظيم }(القلم :4) {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء:107). فمن يتحلى بالرحمة والمودة والمحبة والخلق للآخرين فلا بد أن يتخلى عن الحقد والضغينة والكراهية والبغضاء وبالتالي يكون قلبه خاليا من العداوة للآخر المخالف ،وإلا ماذا يعني أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام مطهرين من الرجس ؟! فالرسول وأهل بيته الطاهرين يتمتعون بأعلى درجات الطهارة ،والطهارة لا يمكن أن تحمل العداوة والكره وهم عليهم السلام لا يتحركون من خلال الفعل وردة الفعل الشخصي بل يتحركون من خلال مرضاة الله وفي الله وإلى الله سبحانه.

  كم وكم عانى رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله مع الكفار والمشركين ،ورغم ذلك لم يلعن أو يسب !

  ففي معركة أحد لما كسرت رباعيته وشج في وجهه قيل له : ألا تدعو عليهم ! قال :

  "إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا و رحمة ،اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" (بحار الأنوار ،المجلسي ،ج21 ،ص 119). وهذا إن دل على شئ فهو يدل على عظمة أخلاق النبي .

  وهذا ما أشير إليه في"سلسلة الفكر والنهج الخميني" حيث جاء :
    "كما كان نبي الإسلام صلى الله عليه وآله رحمة ورحيما بالمؤمنين ،كان كذلك للكافرين ،بمعنى أنه كان يحزن على الكفار لبقائهم على كفرهم ، الذي سيؤدي بهم إلى جهنم ،فهو قد أرسل لينجي هؤلاء الكفار وهؤلاء العصاة والله قد خاطبه بسبب حزنه هذا فقال تعالى :{لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا }(الكهف :6).كأنك تريد أن تهلك نفسك بسبب أنهم لم يؤمنوا ولم ينالوا حظ النجاة . يروي لنا التاريخ أنه عندما مر جمع أسروا في إحدى الحروب بالنبي يجرون بالسلاسل ،قال النبي إن هذه السلاسل يجب أن يجروا بها إلى الجنة ،لذلك علينا الآن أن نأتي بهم ونهديهم .

  لقد كان نورا للهداية ،سموحا مع المؤمنين ومع الآخرين إلا الذين كانوا يشكلون غدة سرطانية ،فكان عليه استئصالها من المجتمع". (النبوة في رؤية الامام الخميني،ص396)

  لنر رسول الإسلام الكريم في حرب أحد، ففي الوقت الذي شقت فيه جبهته المباركة وكسرت أسنانه ،والدماء تسيل من جراحاته من رأسه ووجهه ،كان نفس ذلك الأب الرحيم الذي أراد دائما الخير والصلاح لأولاده ،حيث رفع يديه في تلك الحالة بالدعاء وقال :"اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون "(مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب ،ج1 ،ص 192).

  وروي أن أصحاب النبي(ص) طلبوا منه أن يلعن المشركين ليحل عليهم العذاب كما دعا نبي الله نوح عليه السلام على قومه ، فهلكوا ،فأجابهم النبي (صلى الله علسه وآله وسلم ):"إني لم أبعث لعانا ،ولكني بعثت داعيا ورحمة ...".

  (سنن النبي ،الطباطبائي ، ص413 ). فالنبي لم يبعث لهلاك الناس حتى وإن ضلوا ،وإنما لأجل دعوتهم إلى الهداية والرفق لهم ،لذلك نراه في تلك الحالة يرفع يديه ليدعو الله لهم أن يهديهم فهم لا يعلمون .

  في حوادث فتح مكة ،عندما دخلها المسلمون في أوج عزتهم واقتدارهم ،كان سعد بن عبادة الخزرجي حامل لواء الأنصار يردد بصوت عال :"اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة".(بحار الأنوار ، المجلسي ،ج21 ،ص105) فاليوم يوم سفك الدماء واليوم يوم الانتقام وإباحة الدم والمال .

  سمع النبي(ص) هذا النداء ،فاضطرب اضطرابا عظيما وأمر الإمام عليا عليه السلام أم يأخذ الراية ويمسك بزمام الأمور وعزل سعدا عنها .

  على الرغم من كل الأذى والألم الذي ألحقه كفار قريش في حق النبي(ص) وأصحابه ،كان الجميع يتوقع أن ينتصر هؤلاء لمظلوميتهم وينتقموا ممن ظلمهم من أهالي مكة ،لكن النبي الأعظم(ص) أمر المسلمين أن يدخلوا مكة بمظهر الرحمة والرأفة ،وأصدر عفوا عاما وقال مقولته المشهورة :"اليوم يوم المرحمة" (المغازي ،الواقدي ،ج2 ،ص822) " (سلسلة الفكر والنهج الخميني _الرسول الأكرم ص _جمعية المعارف الإسلامية الثقافية ،ص 46_ 51).