عقدت جامعة العلوم والآداب اللبنانية حلقة حوارية بعنوان "قراءة نقدية لعلاقة الإعلام بالحراك المدني" ضمن سلسلة ندوات تخصّ الإعلام وأهله لدمج النظرية بالتجربة، بحضور طلاب من كليات الإعلام في جامعات لبنانية مختلفة ومهتمين.  أدارت الحلقة الأستاذة رندلى جبور من "صوت المدى" وشارك فيها: الأستاذ بيار أبي صعب من جريدة "الأخبار" والأستاذة بثية عليق من "إذاعة النور" والأستاذة نعمت بدرالدين من "بدنا نحاسب"، وغابت مراسلة LBCI فتون رعد بداعي السفر. بداية طرحت جبّور أسئلة حول أجندات المحطات الإعلامية وكيفية تغطيتها للحراك، وهل خدم الإعلام فعلاً الحراك؟ هل صغّره؟ هل شوّهه؟ ولماذا أقفلت بعض المحطات عدساتها في وجه الناشطين؟

علّيق ثم تحدثت الأستاذة بثينة عليق موضحة "أنّ أداء الإعلام اللبناني مع الحراك لا يمكن فصله عن أزمة الإعلام في لبنان، إذ أن المؤسسات الإعلامية كما هو معروف مرتبطة بجهات سياسية مما يجعل أداءها يتناغم مع الأداء السياسي".

وأشارت إلى "أن الحراك حدثٌ لا يمكن التعاطي معه بطريقة تبسيطية"، مؤكدة أن "الإعلام وخصوصاً التلفزيوني منه، لم يكن يهتم للحراك إلا من منظور حسابات الريح والخسارة، أي في إطار المنافسة على نسبة المشاهدة،  فكل وسيلة تسعى لزيادة نسبة المشاهدة كما هي الحال مع برامج الإثارة المبتذلة".

وأسفت عليق لكون "الإعلام صار وسيلة للشهرة والنجومية دون أي معايير حقيقية، في حين أن مهنة كالإعلام تحتاج إلى بذل جهد معرفي وثقافي ومهني وإلى إنكار ذات. وهذا ما شهدناه في الحراك حيث لم يكن هناك نضج لدى وسائل الإعلام  كما ليس هناك نضج في عمل الحراك". 

ورأت علّيق: "أن الإعلام اللبناني كالاعلام العربي دائماً يقف على تخوم التفكيك، ولا ينخرط في البناء، علماً ان الحدود والضوابط الإعلامية ضاعت وسط ضبابية المشهد التلفزيوني، وإرباك في معرفة ما يحصل فعلياً في الميدان". 

وأضافت: "صحيح أن التفكيك ضروري ولكن ماذا بعد التفكيك؟"، موضحة "أن وظيفة الإعلام هي إعطاء معنى للأحداث وتقديم كل ما يساعد الملتقى على فهم ما يحصل، إضافة إلى خلق فضاء تلتقي فيه الأطراف المختلفة للنقاش".  أبي صعب من جهته اعتبر الأستاذ بيار أبي صعب أن "الإعلام في جزء كبير منه كان متواطئاً لإفشال الحراك، والعمل على شيطنته"، مشيراً إلى أن "هناك تساؤلات مشروعة ويجب مناقشتها حول الحراك"، مؤكداً أنه "ضد اتهام الحراك بالأجندات الخفية والمؤامرة، ففي نهاية المطاف هناك ناس متألمة وتريد التغيير".

ولفت أبي صعب إلى "أن التلفزيون لم يفتح نقاشاً هادئاً وحقيقياً بين مختصين للحديث عن المحتوى بعيداً عن لغة التخوين والتخوين المضاد"، موضحاً "أن الإعلام يهتم بالاثارة ورفع نسبة المشاهدة والاستقطاب بغض النظر عن قيمة ما يقال وأحقية القضايا المطروحة". 

ولم ينفِ أبي صعب أن "القنوات الإعلامية تحتاج إلى إعلانات لتستطيع أن تدفع رواتب موظفيها"، مضيفاً: "لكن هنا يطرح سؤال الموائمة بين الضروري المعيشي وبين الضمير الأخلاقي والمهني في ظل نظام قمعي تشكله وصاية المال والطائفية والتعصب وتحكم به الخناق على الرأي العام". 

وتطرّق إلى "ضرورة شرعنة الأسئلة النقدية وطرح هواجس هذا الحراك من دون الدخول في الأبلسة والانزلاق إلى التكفير، الأمر الذي أثار جدلاً وقتها".

أمّا عن شبه الغياب للحراك عن الشاشات والساحات اليوم، فعزا أبي صعب السبب إلى "قدرة النظام الطائفي المافيوي وأدواته على محاصرة الناشطين، فيما أدّى ضعف الناشطين وتحديداً القادة منهم، والمراسلين في إجهاض هذه الحركة الاعتراضية".

بدر الدين بدورها الأستاذة نعمت بدر الدين فضّلت "تسمية الحراك بالشعبي والسياسي باعتبار أنه حراك ضد نظام هو بنيوياً فاسد، وما أزمة النفايات إحدى نتاجاته". وأكدت أن "الحراك ليس طارئاً بل هو نتيجة تراكم لعشرات من النشاطات التي حصلت في الشارع اللبناني منذ التسعينات إلى اليوم. فليس هناك أحد جديد على الشارع، وهذا ما لم يضيء عليه الإعلام اللبناني الذي صوّر الحراك وكأنه نزل من الفضاء".

ورأت أنه "على الرغم من أن الإعلام اللبناني كان متفاعلاً مع الحراك إلّا أنه ميّز بين نوعين من التفاعل، حلفاء الحراك وخصومه"، مشيرة إلى: "ما للإعلام من أهمية في التحشيد، فإذا هو لم يدعم تحركاً معيناً لا ينزل الناس إلى الشارع ولو كانت قضية من أهم من القضايا".  وكشفت بدر الدين أن "مجموعة بدنا نحاسب كانت تعتمد الخبطات السرية، وكلّ ما هو مثير لأنه يعجب وسائل الإعلام ويهيئ لسكوب ما يدفعها للتنافس على التغطية"، مشيرة إلى أن "الإعلام لم يغطِّ الحركات التي كانت تجري في المناطق اللبنانية البعيدة، وهم المتضررون بشكل كبير ومباشر، لكن هذا غير مثير بالنسبة لوسائل الإعلام". 

كما أكدت أن "هناك ماكينات كانت تشتغل في البلد لكسر رموز الحراك، لتقول للناس أن هؤلاء ليسوا وطنيين وإنما يعملون وفق أجندات، يدير هذه الماكينات جهات سياسية لبنانية والنظام السلطوي الحاكم وأي جهة متضررة من حصول حراك جديّ في لبنان يمكن أن يؤدي إلى تغيير، وهذا ما جعل حلقات تلفزيونية مخصصة للحديث حول ملفات الفساد تضيع في الدفاع عن النفس".

وأضافت: "إن بعض المراسلين عملوا بناءً على تعليمات معينة لاستخلاص رأي بعينه من الشارع، ففُتح البث المباشر أمام الجماهير لشتم قيادات سياسية مما تسبب بكارثة على الحراك، بحيث أصبحت مجموعات الحراك مسؤولة عن كل ما يحصل في الشارع".  وشددت على أن "الحراك ليس لديه شيء شخصي ضد أحد إنما يعمل من منطلق محاسبة أي مسؤول يتقلد موقعاً في الدولة ولا يقوم بالتزاماته ويستغل منصبه بالفساد".

  ورأت بدر الدين أن "مواقع التواصل الاجتماعي كانت سلاحاً ذا حدّين، قدّمت إيجابيات كبيرة ولكن في أكثر من مكان أدخلتنا في جدالات وسجالات عقيمة ودفاعية، فضلاً عن أن من خلالها لم يكن متاحاً الوصول إلى كل الفضاءات والشرائح اللبنانية".   

    الدائرة الإعلامية