إذن، فقد أتمَّ الحزبان الحاكمان التوافق في بعض المناطق، ويعملون على إتمامه في مناطق أخرى في قضاء بعلبك الهرمل، وحتى الآن فإنَّ الأمرَ استتب للحزبين في البقاع الشّمالي، بما لا يوافق مطلقاً تطلّعات أهالي المنطقة وآمالهم، في بلدٍ زعمَ أولياؤه أنّه ديمقراطيٌّ حر، وهو كذلك على ورق الدستور.

ولأنّنا كنّا دائماً خلفَ المقاومة في نهجها، حتّى صارت بعلبك تدعى خزّان المقاومة والهرمل مدينة الشهداء، يؤسفنا ما وصل إليه الأمر بفضل قياداتٍ عفنة في هذه المنطقة المحرومة من أبسط حقوقها، المهمّشة عمداً من كل الأطراف، فلا نوّابها لشعبها، ولا وزراؤها يلقون لها بالاً، وحتّى بلدياتها التي علّقنا الأمل عليها فيما مضى، ارتهنت للحزبين الحاكمين وتجربتهما الفاشلة في الإنماء في البلديات التي حملوا على عاتقهم مسؤولية إنمائها منذ دورة 2010، ها هي تجربتهم رغم فشلها الذريع تعمم غصباً -وهذا وصفٌ حرفي- على كلِّ قرى وبلدات البقاع بما فيها بلدياتٌ كانت لوائحُ الأهالي هي الناجحة فيها وأثبتت أنّها لا تقارنُ -لجهة تميّزها وانكبابها على الإنماء- بالبلديات التي ترأسها اتحاد الحزبين الحاكمين. سأقارن هنا بين بلديتين لبلدتين متجاورتين: إحداهما يونين التي تولى إدارة مجلسها البلدي أعضاءُ لائحة الحزبين الحاكمين، والثّانية مقنة التي نجحت فيها لائحة الأهالي بالوصول كاملة إلى المجلس البلدي بوجه لائحة التحالف المأفون.

وعلى الرغم من أنَّ ميزانية العمل البلدي لبلدية يونين تساوي أكثر من ضعف ميزانية بلدية مقنة، فقد فشلت الأولى فشلاً ذريعاً على صعيد الإنماء حتى في أبسط الأمور، بينما تشهدُ كل بلديّات البقاع وجمعياته الأهلية وحتى وزارة الداخلية والبلديات، أنَّ ما قدمته بلدية مقنة كان إنجازاتٍ نوعيّة لا تحصى على كلِّ صعيد، رغم الحرب الإعلامية التي كانت تشنُّ عليها، ومحاولات تعطيل بعض مشاريعها من قبل الحزبين الحاكمين سيّما مشروع قنوات الصّرف الصّحي ومعمل تكرير المياه الآسنة في مقنة، والذي أتمت البلدية مخططاته ولا يزال عالقاً أمام تعطيل جهاتٍ معروفة.

اليوم ومنذ 2016 سيسيطر تحالف الحزبين الذي لم ينجز شيئاً لبلدة يونين على مجلس بلدة مقنة البلدي، ولا داعي لتوضيح ما معنى ذلك... المشكلة أعقد مما نتصوّر، المشكلة أنَّ الحزبين الحاكمين يعرفون بأنَّ فادي المقداد -رئيس بلدية مقنة- وأعضاء مجلسه البلدي هم الأفضل إنمائياً في البقاع منذ 1998، إذن فهم يتعمدون إزاحته لسببٍ ما.

هذا صحيح، والسبب أنَّ كلا الحزبين لا يطيقان أن يكون في المنطقة رجل إنماءٍ حقيقي يكسبُ قلوب النّاسِ عن حق، بالفعل لا بالشعارات، بالمواقف على الأرض لا على المنابر، بالتواضع وملاحقة مشاكل النّاس في بيوتهم لحلها لا بالفوقية والإستعلاء، رجلٌ مستقلٌّ متحرر من العشائرية والحزبيّة والطّائفية والمذهبيّة والمناطقيّة، فادي المقداد ومجلسه البلدي عرّى الحزبين الحاكمين وأثبت أنَّ الإنماء ممكن إلّا أنَّ الحزبين لا يريدانه لهذه المنطقة.

يريدان أن يبقى أبناء هذه المنطقة مرتهنين لهم، لقروشٍ يمنون بها عليهم، لوساطاتهم التي تمكنهم من دخول الجيش كمجندين مهما كانت شهاداتهم وخبراتهم، أو لحروبهم العبثية هنا وهناك مقابل رواتب زهيدة لا تسدُّ الرّمق.

لقد ناء البقاعُ من تسلّط هذين الحزبين على مقدرات العباد بدون وجه حق، وبدون أن يعطوا ولو قليلاً لأبناء المنطقة الطيبين، كلنا يعرف من هم حماة المطلوبين الفارين في بعض مناطق البقاع، كلنا يعرف من يكرّس العشائرية والخطف والسلب والعنتريات الفارغة في بعلبك الهرمل، كلّنا يعرف أيضاً أنَّ في البقاع أدمغة ومواهب ونوابغ، أنَّ في بعلبك الهرمل مثقفين ومبدعين، وكلنا يعرف من يهمشهم لصالح تظهير صورة المطلوبين وتجار المخدّرات وقطّاع الطرق، الذين يعاني البقاع أكثر من غيره من المناطق بفعل أعمالهم.

في ايعات الآن وهي بلدة صغيرة قرب بعلبك، بادرت إحدى المدارس غير المسيسة لافتتاح معرض كتاب يزوره الآلاف من العطاشى للثقافة، لمَ لا يضاءُ على هؤلاء؟ ومن المسؤول؟ في بعلبك نشاطات ثقافيّة هائلة، في الهرمل منتديات ثقافية وازنة، في كل بلدة تجد كمّاً ونوعاً من المثقّفين الواعين، لمَ لا نسمع عنهم؟ لمَ لا نعرفُ من البقاع إلّا مطلوبي بريتال ودار الواسعة والشراونة؟؟ لمَ لا نرى بقاعيين شباباً في وظائف وازنة في لبنان، ولا نسمعُ أسماء أبناء البقاع إلّا في المحكمة العسكرية وسجن رومية؟؟

لأبناء لبنان وخصوصاً أبناء العاصمة، دعوةٌ مفتوحة: تعالوا إلى البقاع لتروا حقيقة البقاع، وأبناء البقاع الطيبين الفقراء، ولتعرفوا من يريد أن يكون البقاعُ مهمّشاً ومن يصادر رأيهُ حتّى في أصغر تفصيل، المجالس البلديّة..