يجتهد حزب الله  كثيرًا ومنذ سنوات عديدة لتقديم فكرة ولاية الفقيه والإيمان بها والإنتماء إليها بوصفها فكرة دينية تندرج في خانة الفقه والتفقّه ويدخلها عنوة ومن غير وجه حق في باب التقليد والمقلدين، ويصوّر أنّ العلاقة بين المؤمن بهذه النظرية وبين الولي الفقيه هي تمامًا كالعلاقة بين المكلّف والمرجع، ويذهب أكثر من ذلك ليشبه تلك العلاقة بالعلاقة بين رأس الكنيسة الكاثوليكية في روما وبين المسيحيين الكاثوليك بالعالم المسيحي، وبالتالي فهي غير مرتبطة بالجانب السياسي وبالخيارات السياسية!

  يعلم من لديه الحد الأدنى من الإطلاع على نظرية ولاية الفقيه ودلالاتها ومنشئها ومحاولات تأصيلها من أيام الشيخ الكركي (868 هـ) وصولاً إلى تبنّيها وبلورتها على يد الإمام الخميني بأنّ ما يقدم للرأي العام من توصيف هو بعيد كل البعد عن الواقع. 

  وأكثر ما يلفت في هذا السياق، وما يمكن تلمّسه يوميًا من خلال الحوارات والنقاشات بالخصوص عبر صفحات التواصل الإجتماعي هو أنّ كثيرين من أتباع ومتبنيي نظرية ولاية الفقيه لا يعرفون جوهر هذه النظرية وأبعادها وما يترتب عليها، وبأنّها تعتبر نظرية سياسية بكل ما للكلمة من معنى، وتعني بالدرجة الأولى أنّ المؤمن بها إنّما يؤمن بأنّ الولي هو بمثابة النبي أو الإمام المعصوم من حيثية إدارة الشؤون السياسية فقط، وليس على المؤمن بها إلاّ السمع والطاعة، وعلى عكس ما يشاع فقد تمّ الفصل ( بعد وفاة الإمام  الخميني ) فتحوّل مقلدوه بالأمور الفقهية إلى الشيخ الأراكي وأمّا الأمور السياسية فصارت بيد السيد الخامنئي كولي للفقيه.   

  بالطبع فإنّ هذه المقدمة الضرورية تستحق تفصيلًا مطولاً أكثر بكثير، ولكنها كافية للقول أنّ الإرتباط بولاية الفقيه، إنّما يعني بالضرورة وبشكل قاطع الإرتباط السياسي بقرار الولي والمتمثل هذه الأيام بالإمام الخامنئي كقائد وزعيم سياسي. 

  وبناءً على ما تقدّم فلا يمكن فهم سياسات حزب الله، إن في مشاركته بالحرب السورية أو بحملاته الإعلامية وغير الإعلامية ضد بعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج وما نشاء عن ذلك من تداعيات خطيرة على لبنان بشكل عام وعلى الشيعة بالخصوص، ومشاركاته الميدانية حول العالم إلاّ من زاوية هذا الإرتباط العقدي بفكرة ولاية الفقيه، وبالتالي فإن أيّ نقاش من خارج هذا الإطار هو نقاش خيالي.  

  فمن غير المنطقي حينئذ التوجه بالسؤال لحزب الله عن المصلحة اللبنانية؟ أو مصالح اللبنانيين؟ أو حماية لبنان؟ وما يساق من دعوة للعودة إلى لبنان او إحترام الدستور اللبناني، أو العمل وفق القوانين اللبنانية. 

  فإذا ما اعتبرنا أنّ كل هذه الأمور هي من المستلزمات الضرورية للإنتماء اللبناني فيمكن القول آنئذ وبكلّ واقعية أنّ من ينتمي إلى نظرية ولاية الفقيه لا يمكن له أن يكون لبنانيًا بهذا المعنى .