احتفل الإيرانيون بالأمس بالذكرى السابعة والثلاثون لإنتصار الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني سنة 1979 وانتهاء عهد الشاه محمد رضا بهلوي وقيام الجمهورية الإسلامية وحكم الولي الفقيه ولا شكّ أنّه كان لهذا الحدث الكبير والزلزال الضخم ارتداداته وأثاره على كامل المنطقة، ولعلّ لبنان هو من أكثر المناطق التي وصلت إليه هذه الإرتدادات وتفاعل معها وتأثر بها ولا يزال إلى اللحظة يعيش في خضم هذا المتغير ويتلقى منه شحنات ساهمت إلى حد تغيير المشهدية السريالية التي كان يسير وفقها.

إلى أعوام قليلة للخلف مثلّت إيران الثورة بقيادة الإمام الخميني وبعده لسنوات مثَل المرشد الخامنئي منارة ثورية شخصت إليها أنظار كل المستضعفين والمضطهدين بالعالم وعلى وجه الخصوص في عالمنا العربي والإسلامي، وتطلع لها كبارقة أمل معظم الشعوب المسحوقة من حكامها المستبدين والمتحكمين برقاب مواطنيهم.

ولكن وبكلّ أسف انحدر هذا التأثير وتقلّص مستواه مع مرور الزمن، وتحوّلت إيران من رافعة وبارقة أمل لكل الثوار في العالم والطامحين إلى التفلت من الهيمنة الإستكبارية التي تجسدها أميركا والإمبريالية إلى دولة مذهبية شيعية تمارس نوع من الوصاية على الشيعة دون غيرهم.

وبسبب التواجد الشيعي الفاعل في لبنان تمكنت الجمهورية من مدّ جسور متينة معهم ودعمتهم إلى اقصى الحدود في حربهم التحررية ومقاومتهم للمحتل الاسرائيلي، فمدتهم بكل متطلبات القوة من سلاح وأموال ودعم سياسي وما إلى هنالك، وإن من غير الإنصاف عدم الاقرار بالدور الإيراني الفاعل والأساسي والمتميز بالوصول إلى الإنجاز التاريخي المتمثل بالتحرير في 25 آيار 2000، على عكس ما يروج لدور سوري مختلق في هذا المجال.

لا شكّ أنّ التفاعل بين شيعة لبنان من جهة وبين النظام الإيراني من جهة أخرى أحدث تحوّلات ضخمة في البنية الفكرية والثقافية وحتى في العادات والتقاليد عند الشيعة اللبنانيين، ومن المجحف القول أيضاً، أنّ كل ما أتى من إيران الإسلام وترسخ في الميدان الشيعي هو فقط ذا وجه سلبي، لأنّ الكثير من العادات والسلوك وحتى الطبائع التي صُدّرت إلى الشيعة من إيران كان لها دور إيجابي في النهضة الحضارية عند الشيعة بالخصوص إذا ما اخذنا بعين الاعتبار مقدرة الشيعة في لبننة الكثير من تلك الصادرات، إن بالمجال الفني أو المعماري أو في مجال إقامة الطقوس الدينية فضلاً عن الخبرات العسكرية والإستثمارات المالية الضخمة.

ومن نافل القول أنّ الشيعة اللبنانيين حظوا باهتمام بالغ من حلفائهم الإيرانيين، بحيث كان لهم الحظوة المتقدمة والتعاطي المميز، وهذا ما خلق على مرّ الأيام شيء من التماهي بين الجانبين ممّا يعني أنّ التفاعل لم يقتصر على الأمور الإيجابية فقط وإنّما تسرب حتى للطبائع وآليات التفكير بل تعدّاه للوصول إلى المشاعر والعواطف أيضاً، ممّا نسف أيّ نوع من أنواع التمايز بين المجتمعين واحدة من مصائب هذا الإندماج الحضار إذا صح التعبير والذي انسل إلى السلوك الشيعي اللبناني هو الغرور والعجرفة الإيرانية، بالخصوص في نظرتهم الفوقية للآخرين وبالخصوص للعرب، إذ لم يُعرف عن الشيعي اللبناني تاريخياً إلاّ أنّه اميل نحو الاندماج مع محيطه، وإلاّ محاولاته من منطلق الإحساس العميق بالمحرومية وحبه وانفتاحه على مجتمعه اللبناني، ولطالما كان الشيعي حتى من موقع القوى منخفض الجناح ومسارع إلى لهفة المظلوم وكارهاً كل الكره للغة الاستكبار والتعالي، فلو عدنا بالتاريخ إلى كل مواقف الزعامات الشيعية فإنّك لن تجد فيها ما يشير إلى الاستقواء والتنافر مع محيطه. وإنّ كل ما نسمعه من جماعة إيران في لبنان من أدبيات دخيلة على ما كان سائد، وتجسد حالةً من الإستقواء والغرور من أمثال " طهر نيعك " ، " انت مين ؟ " ، اليد التي تمتد الى السلاح سوف نقطعها " ، والتهديد الدائم والوعيد المستمر للقريب والبعيد ولكل مختلف ليس له سابق حتى في عز مرحلة الإقطاع السياسي، إنّما هو بمجمله من تأثيرات العنجهية الإيرانية.

لا شكّ أنّ شيعة لبنان استفادوا كثيراً من الصادرات الإيرانية، إلاّ أنّ أخوف ما أخاف عليهم هو هذا التحول في طباعهم وما يمكن أن يجنوه من ثمار هذه الشجرة الخبيثة المسماة الغرور الإيراني لأنّها إسوأ تلك الصادرات .