عندما أعلن الإمام الخميني يوم القدس العالمي كان مؤمناً بمشروع الأمّة وبقضاياها وفي مقدمتها فلسطين المحتلة ، وبذل من أجل ذلك إمكانيات الثورة الإيرانية وفتح سفارة لفلسطين بعد أن أغلق أبواب السفارة الإسرائيلية في طهران .

إسلامية السيد الخميني فتحت له أبواب العالمين العربي والإسلامي ، وإستطاع أن يستنهض من جديد نصف أمّة حاضرة للجهاد تحت راية القدس وفلسطين ودشن مرحلة قيام المقاومة الإسلامية تحفيزاً منه لدور طليعي يأخذ على عاتقه مسؤولية إسترداد الحقوق المسلوبة والتحرر من نير الإحتلال والإستيطان الإسرائيلي ، وقد لعبت المقاومة الإسلامية دوراً في هذا المجال ونجحت في لبنان وفلسطين وتعاطف معها المسلمون في شتى أصقاع الأرض .

 ولم تشهد حركة نضال قومي أو إسلامي تأييداً عالمياً كما شهدت المقاومة الإسلامية التي وضع مشروعها السيد الخميني على قواعد إسلامية و"إستضعافية " تحاكي المظلومين في العالم لا مذاهب الزواريب في العالم العربي .

بعد رحيل الإمام الخميني تبدل الموقف والخطاب والسعي حتى المشهد السياسي بات مشهداً قائماً على حسابات مصالح الدولة كما يراها النافذون فيها ولم تعد أولويات الوحدة الإسلامية مطلباً مرجواً ، بل بات من لوازم العمل السياسي فقط لدى القيادة الإيرانية الجديدة ، وبذلك فقدت إيران أهم مواقعها في العالم الإسلامي وباتت عدواً ملاحقاً من قبل الحلفاء والأعداء معاً .

كانت الثورات العربية حركة تحدي لإيران  لأنها فرضت عليها إما القبول فيها أو الإعتراض على ضرورة التجديد في البنية السياسية السلطوية العربية ، فمالت إيران كل الميل لصالح الأنظمة وخاصة الأنظمة الأكثر استبداداً وهذا ما أوجد طلاقاً  بينها وبين الدينامية العربية الجديدة من جهة وبينها وبين الدول العربية التي دعّمت من دور الثورات العربية من جهة ثانية .

وقوف إيران إلى جانب النظام السوري والقتال بدلاً عنه أضعف إيران عربياً واسلامياً وجعلها دولة مذهبية بدلاً من دولة إسلامية ، وحوّلها من دولة للقدس وفلسطين إلى دولة للشام ، وإنقسمت المقاومة الإسلامية طليعة الأمّة العربية على نفسها وباتت جماعات منضوية تحت خيمة مذهبية لا مكان فيها لا للقدس ولا لفلسطين بل لحسابات آيلة لصالح الدول المتقاتلة لتحسين شروط إقليمية تقودها إلى لعب دور متقدم ومُتحكم بسياسات منطقة الشرق الأوسط  .

حال إيران اليوم سورياً وعراقياً ويمنيّاً ونووياً جعل منها نظاماً خارج البيئة الإسلامية وخارج الرهان العربي وبالتالي خارج الدور التاريخي الذي اصطنعته للتقرب من العرب من مدخل القدس وفلسطين ، ولم تعد تُغري أحداً في العالمين العربي والإسلامي إلا بحدود المنفعة المادية ودون ذلك لا أحد معها في حروبها وفي مواقفها وبغض النظر عن مبرراتها سوى شيعة مُستلحقة كلها بداع العصبية الطائفية وجُلّها بداع الانتماء إلى الدولة الالهية .

مرّ يوم القدس هذه السنة مشابهاً للسنوات الماضية في عواصم عربية عديدة كلها لا توصل إلى تل أبيب وبات احتفالياً فارغاً من محتواه الخميني المشبع بشعارات إسلامية صادقة ، ومجرد مسرح سياسي فاشل لا يغري حضور العرب والمسلمين لعلمهم أنّ الإسلاميين أمسوا مذهبيين وقد أضلوا الطريق إلى القدس وفلسطين .